لاحظنا منتصف الشهر الماضي كيف إنخفضت أسعار نفط برنت عالمياً حيث لامست بتاريخ 20 آذار الماضي 70.06 دولار للبرميل, وكان هناك خشية لإنزلاق الأسعار لما كانت عليه عام 2008 بعد إنهيار الإقتصادي العالمي نتيجة تعثر البنوك الأمريكية وعلى رأسها ليمان براذرز عندما سجل 40 دولاراً للبرميل , وأيضاً الإنخفاض الكبير خلال جائحة كورونا عندما سجل أدنى مستوى عند أقل من 10 دولار للبرميل عام 2020 .
إذن المخاوف الآن من الإنزلاق في أسعار النفط لأسعار قياسية, وخاصة أن بعض الظروف تتشابه مع ما حصل في السابق وأهمها الإنهيار الأخير لبنوك في الولايات المتحدة وأوروبا, وضعف الطلب على النفط من قبل الصناعات بسبب تأثير جائحة كورونا وخاصة بعض الإغلاقات في الصين وإرتفاع أسعار المواد الخام ونقصها وإنقطاع في سلاسل التوريد والإمداد والحرب الروسية- الأوكرانية والحصار الإقتصادي على بعض الدول وتقليل إنتاج الأجهزة الحديثة من سيارات ومعدات إلكترونية بسبب نقص الرقاقات الإلكترونية, والأهم من ذلك إرتفاع كُلَف الإقراض والإستثمارات نتيجة الرفعات المتتالية للفيدرالي الأمريكي على الدولار لكبح جماح التضخم الذي لا زال بعيداً عن النسبة المستهدفة وهي 2% , وخشية دول العالم من الوقوع في الركود التضخمي والكساد في الفترة القادمة , ناهيك على قرب إنتهاء فصل الشتاء في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وافريقيا مما يؤدي إلى قلة الطلب على وقود التدفئة.
إن ما قامت به بعض الدول النفطية في أوبيك+ بخفض إنتاجها كخطوة إستباقية قبل الإجتماع القادم ما هو إلا إجراء للمحافظة على سعره لا وبل رفعه من أجل أن تستفيد تلك الدول لدعم إقتصاداتها, لأن لديها خطط وبرامج إقتصادية مسبقة تريد تنفيذها , فالسعر الذي وضعته تلك الدول قبل الحرب الروسية – الأوكرانية كان من 70-80 دولار وتم حساب كُلف التمويلات المناسبة لمشاريعها وخططها المستقبلية خاصة دول الشرق الأوسط والخليج , أما روسيا فقد أقدمت على هذا التخفيض للحفاظ على أسعار النفط لتمويل حربها على أوكرانيا.
لم يكن بتقديري رفع السعر إلا لصالح إقتصادات تلك الدول , لكن هذا القرار لا يتماشى مع إقتصادات الولايات المتحدة والغرب نتيجة الضائقة الإقتصادية التي يمروا بها وأحد أسبابها جائحة كورونا ومن ثم الحرب الروسية- الأوكرانية, لكن القرار إتًخِذ وبجرأة حتى لو تم تفسيره " من ليس معنا فهو علينا", فالزمن الآن إختلف فأصبح "من ليس معنا فهو مع نفسه", فأصبحت دول العالم كل تبحث عن مصلحتها ولن تدور كما دارت في السابق في فلك القطب الواحد, فظهور الأقطاب الأخرى فتح شهية جميع الدول ومنها النفطية لتحديد السعر الذي يصُب في صالح إقتصاداتها لتحقيق الإستقرار والتوازن في أسواق النفط الخام, حتى لو تعارض هذا السعر مع حلفائها وأهمها الولايات المتحدة التي علقت على قرار تخفيض الإنتاج وقالت : "غير منطقية" ,وهذا التخفيض هو الثاني بعد تخفيض تحالف أوبيك بلس في شهر تشرين الأول الماضي بمقدار مليوني برميل يومياً.
فدول أوبيك بلس التي قامت بالتخفيض بإنتاجها النفطي يوم أمس هي روسيا والسعودية والإمارات والكويت وعُمان والعراق والجزائر وكازاخستان بمقدار كلي تقريبي بلغ 1.15 مليون برميل يومياً, لمحاولة رفع أسعاره الحالية بمقدار 10 دولارات , حيث قفزت أسعار النفط بعد هذا القرار بمقدار 7%.
في الخاتمة ما سنشهده في الفترة القادمة من تحالفات إقتصادية جديدة للدول, ستتوافق مع مصالحها الإقتصادية , بغض النظر عن تأثير ذلك على الغير, وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط والخليج المُرجحة لنمو إقتصادي كبير وإستقرار سياسي نتيجة إستقلالية قراراتها السياسية والإقتصادية لمصلحة شعوبها.
الخبير الإستراتيجي في مجال السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
م.مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com