صحيح أن معدل النمو الاقتصادي 2.7 % والتضخم 4 %، وهذه مؤشرات إيجابية تدل على أن الاقتصاد الوطني قد خرج من تداعيات جائحة كورونا. لكن في المقابل، هناك بطالة بنسبة 22.9 %، وهذا بحد ذاته مؤشر سلبي ومقلق للغاية، إذ يشكل ارتفاع أعداد المتعطلين هاجساً كبيراً على مجمل السياسات التنموية، مما يتطلب تفعيلاً حقيقياً لسياسات التشغيل والاستثمار من أجل تمكين الاقتصاد من خلق مزيد من فرص العمل لآلاف الخريجين.
عدد الشركات المساهمة العامة المدرجة 169، ونتائج 162 شركة أظهرت أنها حققت 3.35 مليار دينار أرباح قبل الضريبة بنمو 84.5 % وبواقع 1.8 مليار دينار، وحققت 2.42 مليار دينار أرباح بعد الضريبة بنمو 85 % وبواقع 1.1 مليار دينار.
وبهذا تكون الضريبة المدفوعة لعام 2022 بلغت 930 مليون دينار بنمو 82 % بواقع 420 مليون دينار، وهذا أمر إيجابي للغاية. لكن في المقابل، فإن هذه الأرباح التاريخية غير المسبوقة لا يمكن لها أن تستمر بهذا الشكل إذا بقي هيكل الشركات المساهمة العامة وأداؤها على هذا النحو، وهو ما يتطلب دعم سوق رأس المال لتأسيس مزيد من الشركات المساهمة العامة في مختلف القطاعات من جهة، والعمل على تعزيز أداء الشركات وتوفير كافة الوسائل التي تمكنها من المحافظة على أدائها الفاعل والنشط من خلال تبسيط الإجراءات وتقديم الحوافز والتسهيلات لنموها الاستثماري، وأتمتة العمليات والإجراءات الحكومية في بيئة الأعمال.
حتى الضريبة التي تحققت العام الماضي من قبل الشركات، والتي كانت غير مسبوقة أيضاً، جزء كبير منها وليد ظروف استثنائية مرتبطة تحديداً بصادرات قطاع التعدين وتحديداً من قبل شركتي الفوسفات والبوتاس التي قفزت أسعار منتجاتها في الأسواق العالمية ثلاثة وأربعة أضعاف.
الآن، هذه المستويات السعرية عادت من أسابيع إلى التراجع، ووصلت نسبة الانخفاض في بعض المنتجات بأكثر من النصف، وهو ما سيؤثر حتماً على حجم التحصيلات الضريبية من هذا القطاع في الأعوام المقبلة وابتداء من هذا العام، وهو ما يتطلب تعويض هذا النقص الضريبي بواسطة عدة اتجاهات ومحركات أبرزها الاستمرار في مسألة توسيع الشمول الضريبي ومحاربة التجنب والتهرب الضريبي وتنفيذ برنامج الفوترة الوطني من جهة، والعمل على تحسين النشاط الاقتصادي لكافة القطاعات وتوفير ما يمكنها من الاستمرار في العمل وتوسيع أنشطتها الإنتاجية والاستثمارية، والسعي بقوة لجذب استثمارات جديدة ونوعية وضخها في الاقتصاد الوطني، ليكون هناك لاعبون استثماريون جدد في الاقتصاد.
أخيراً، من المعلوم أن الناتج المحلي الإجمالي 33.4 مليار دينار، في حين أن إجمالي الدين العام 38.2 مليار دينار، أي ما يشكل تقريباً 106 % من الناتج. والاستمرار في ارتفاع نسبة الدين وزيادة حجمه بالأرقام المطلقة يبقى يشكل كابوساً على الاقتصاد الوطني وترحيل أزمات حقيقية للأجيال القادمة.، لذلك، لا بد من استراتيجية وطنية جديدة لإدارة الدين، من أجل الحد من نموه، وتوجيه عمليات الاقتراض نحو مشاريع إنتاجية رأسمالية، وليس نحو نفقات تشغيلية.
نعم، الاقتصاد يسير باتجاه التعافي من تداعيات أزمات كبيرة، لكن المطلوب أن يسير باتجاه معدلات نمو عالية، وزيادة حضور القطاع الخاص في المشهد الاقتصادي. دون ذلك، لن تتمكن الحكومة من الوصول إلى أي مؤشرات تنموية واستثمارية إيجابية حقيقية، فهو الأساس وهو المحرك الرئيسي للتنمية.