د. مروان الزعبي - بات في حكم المؤكد ان النظام النقدي العالمي في طريقه الى الانهيار في ظل تراجع قاعدة الدولار التي حلت محل قاعدة الذهب بامر من الرئيس الامريكي نيكسون في عام 1971. لقد ابتزت الولايات المتحدة العالم نقديا لمدة تزيد عن 50 عاما وحققت فوائض مالية بمئات المليارات على حساب بقية دول العالم خاصة بعد ان تم تسعير النفط بالدولار في عام 1974. لان الدولار اصبح عملة الاحتياطيات الاولى بالاضافة الى حاجة الدول المستوردة للنفط للاحتفاظ بالمزيد منه لشراء النفط. في تلك المرحلة، اطلقت اميركا العنان لطباعة الدولار غير مكترثة بتبعات هذا التصرف طالما انها هي المستفيدة، واليوم يعجز العالم عن ايجاد قاعدة بديلة للذهب لذلك عادت العديد من الدول الى شراء الذهب وبدء منذ عدة سنوات التخلص من الدولار نتيجة لهذا التهور والانتهازية في طباعة وضخ مئات المليارات على حساب بقية دول العالم. تلك المليارات التي يوجد ما يقرب من 60% منها خارج الولايات المتحدة.
وحديثا تضاعفت طباعة الدولار لتصل الى ما يزيد عن 1 تريليون دولار سنويا بالاضافة الى 1.25 تريليون دولار تم طباعتها خلال الازمة المالية العالمية عام 2008 وما تم طباعته خلال فترة ازمة كورونا 2020/2021 والذي يقدر بحوالي 600 مليار دولار ضمن ما يسمى ببرامج التيسير الكمي. لقد ادى هذا الاستهتار والابتزاز الى المزيد من الاحتقان والغضب لدى بقية دول العالم وحتى من اقرب حلفاؤها. ومما اجج غضب هذه الدول ان اميركا تستخدم الدولار كسلاح فهي على سبيل المثال حظرت على ايران استخدام السويفت وبعدها روسيا لذلك شعرت العديد من الدول بانها ربما تصبح روسيا او ايران ثانية وان الولايات المتحدة تمارس النفاق والتنمر عليها. ولذلك اتحدت دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون التي يمثل عدد سكانها ما يقرب من 60% من سكان العالم ضد امريكا.
ومن الطبيعي بعد كل هذه التطورات ان يتجه اي عاقل الى شراء الذهب مقابل الدولار ومن تلك الدول تركيا والصين وغيرها واستخدمت العديد من الدول عملاتها الخاصة في التبادل التجاري مثل الصين وايران، الصين واليابان، الصين والبرازيل، والهند وروسيا وايران. وهناك دول استردت احتياطياتها من الذهب من الولايات المتحدة وبنك انجلند مثل المانيا والاكوادور. وكل هذه الدول تستخدم اليوم نظام بديل للسويفت. لقد ادت حاجة الدول المستوردة للنفط الى الاحتفاظ بالدولار لشراء النفط بعد ان تم تسعيره بالدولار قبل 50 عاما، وحتى الدول التي لا تستورد النفط تحتفظ بالدولار كعملة احتياطية. لذلك انقسم العالم الى قسمين، الاول يحتفظ بعملات ورقية والاخر يحتفظ بالذهب. صحيح ان الدولار صمد لما يزيد عن 50 عاما، الا انه خطى خطوات كثيرة في رحلة النهاية.
وفي الخلاصة، لا يمكن للدولار ان يستمر في الهيمنه لان التكتلات الحالية ستبرز عملات ووسائل جديدة للدفع وقد بدات فعليا والولايات المتحدة تعلم ذلك مما يضعها في موقف سيء جدا. وفي ظل كل ذلك، فالتضخم لن ينتهي في امريكا وستاتي ايام صعبة جدا عليها بسبب استهتارها بعد ان تنتهي هجرة كافة الدولارات الموجودة خارج امريكا لتعود الى موطنها في مقابل سحب اصول او ذهب. ما يهم الدول النامية ومنها الاردن الابعتاد عن الدولار في احتياطياتها وباسرع وقت ممكن وشراء الذهب بكميات كبيرة خاصة وانه لم تعد هناك حاجة للاحتفاظ بالدولار لان معظم الدول المصدرة للنفط اصبحت تقبل عملات اخرى للتسديد والا ستشهد هذه الدول خسائر كبيرة جدا. هذه التطورات ليست احلام، هي الان تحصل وامريكا تستشعر ذلك وعليها ان تتحمل كلفة اصلاح الخلل الذي احدثته في النظام العالمي.
د. مروان الزعبي
مدير معهد الدراسات المصرفية سابقا
خبير مالي اقتصادي سابقا/صندوق النقد الدولي