زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - قد تكون فعلاً من المرات النادرة جداً التي يجلس فيها وزير الخارجية حصراً تحت كل الأضواء الكاشفة في المشهد الأردني داخل البلاد وخارجها. ووصل الأمر في متابعة ما يفعله ويقوله وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى مستويات متقدمة هذه المرة من طروحات تتبنى الدعوة علناً وسراً إلى “مراجعة السياسة الدبلوماسية” برمتها، لا بل إلى تأسيس “استدارات”، على حد تعبير الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة، تظهر ولو أي قدرة تفاعل تضمن “مصالح الدولة” الأردنية عبر “التحرر” ولو قليلاً من قيود “العلاقة مع الولايات المتحدة” وإسرائيل.
بمعنى أو بآخر، ومن اللحظة التي تبنى فيها الوزير الصفدي احتضان واستقبال ومخاطبة ما سمي بـ “قمة العقبة الأمنية” الشهر الماضي، وجد الرجل الديناميكي الذي يقود من سنوات طويلة دبلوماسية بلاده نفسه أمام “أضواء ساطعة” لا تقف عند حدود المتابعة وهوس البحث عن معلومات، بل تضغط باتجاه “مقاربات جديدة” في الإدارة الدبلوماسية.
تلك المقاربات، كما لاحظ عضو البرلمان سابقاً سليمان أبو حويله في جلسة حوارية شهدتها “القدس العربي”، لا تقع ضمن مسؤولية وزير الخارجية حصراً الذي “يعبر عن السياسات ولا يصنعها”، كما قال هو نفسه سابقاً لـ”القدس العربي”.
رغم ذلك، الصفدي في كل مساحة سؤال واستفسار إعلامية أو سياسية أو برلمانية هو اليوم في ظل “مشهدين”، يبدو أنهما يؤثران بحدة في مزاج الأردنيين ويعكسان -لأول مرة، وهو ما يلاحظه السياسي مروان الفاعوري، الإحساس العام بـ “غياب اليقين” عن الأداء الدبلوماسي الخارجي.
تلك نقطة تحول دراماتيكية سياسياً غير مسبوقة، لأن مجمل الجدل العميق وسط الأردنيين كان يتجاوز حالة “الطمأنينة العامة” بخصوص السياسات الخارجية والأداء الدبلوماسي، ولأن التجاذب تخصص طوال الوقت في الشؤون الداخلية.
عموماً، لا يهتم الأردنيون بـ”الملف الخارجي”، لكنهم يفعلون فجأة وبحزم الآن بسبب المشهد المتحول بعد الاتفاق السعودي – الإيراني الأخير، وثانياً بسبب المشهد الدراماتيكي لقوات الاحتلال الإسرائيلي داخل مصليات المسجد الأقصى وهي تضرب بوحشية وبقسوة -على حد تعبير النائب فايز بصبوص- “المعتكفات” في سياق “الوصاية”. وسط سطوع الأضواء يستقر الآن وزير الخارجية الأردني، ويبحث الفضوليون عبره ومعه عن “كل التفاصيل والمستجدات”؛ لأن الشارع الأردني باختصار اليوم “خائف وقلق” من أن تكون السياسات الدبلوماسية تدار بعيداً عن مصالحه، كما يلاحظ العضايلة وهو يناقش “القدس العربي” متسائلاً: “أين الاستدارات المطلوبة” التي حقق بعضها الآخرون بوضوح اليوم؟
الصفدي أو “بن غفير الأردني” كما وصفه مسؤول إسرائيلي عبر موقع إكسيوس، هو تحت كل أصناف الضغط الآن، والمراجعات التي يتلقاها “حادة للغاية وغير مسبوقة” والأخير يحاول ويناور في مساحات ضيقة للغاية، حتى إن رئيس لجنة فلسطين البرلمانية وجه نقداً علنياً نادراً له تحت قبة البرلمان.
في إحدى المرات، ضغط وزير بارز في الحكومة على زميله الصفدي لكي “يضع مجلس الوزراء بصورة ما يحصل”.
وفي مجلس النواب، البحث الهوسي عن “استجابة ما” توج بأسئلة ومحاولات استجواب وملاحقة للوزير الصفدي الذي عقد فيما يبدو “اجتماعاً تشاورياً” مع نخبة كتاب خلف الستارة، تحدث فيه عن” الحقائق والوقائع” فيما بدأ إعلام اليمين الإسرائيلي يلاحقه ويتهمه ويسلط الأضواء عليه لأنه “يرفض تلقي الاتصالات من مسؤولين إسرائيليين”.
نشر كتاب كبار محسوبون على الدولة والموقف الرسمي مقالات “نقدية حادة” طالت الصفدي، لا بل طالبت بـ “مراجعة التحالفات الدبلوماسية والإقليمية”، وشوهد الوزير وسط النواب يبحث عن “دعم وإسناد وتفهم” في ظل “هجمة منظمة من العدو” لتقويض الوصاية الهاشمية.
بتقدير الفاعوري وغيره من كبار المراقبين، فإن استقبال نتنياهو في عمان ثم احتضان سيناريو قمة العقبة الأمنية اجتهادان في قمة الخطأ وسوء التقدير السياسي، وينضم إليهما لاحقاً التمسك بسيناريو “تعثر وشيك في العلاقات الإيرانية السعودية” يتطلب من عمان البقاء في الانتظار والتريث.
وما يخشاه المعنيون على الرغم من استهداف اليمين الإسرائيلي للصفدي وتسليط الإعلام الأمريكي الضوء على “صلابته”، وحدّته في الربط بين المسارين الأمني والسياسي بالعقبة وشرم الشيخ، هو أن تكون الخارجية على رأس التنظير لمسار “التكيف” خصوصاً بعدما رصدت “أرقام متباينة” على لسان مسؤولين محليين حول عدد طاقم حراس المسجد الأقصى.
عملياً، تلك صورة تعكس عموماً ارتفاعاً في منسوب الإحساس بـ “المخاطر” التي تحدث عنها السياسي المخضرم طاهر المصري عند شرائح واسعة من الأردنيين ووسط مسلسل المخاوف لم يقتصر الأمر على وزير خارجية يعمل من سنوات بالظل وجد نفسه مضطراً لملاعبة كل أضواء المسرح ومن كل الاتجاهات، بل تطور بصيغة لافتة في اتجاه محاولة جماعية وشعبوية ونخبوية أيضاً لوضع “مجمل ملف السياسة الخارجية” على “طاولة التشريح”. وهنا يمكن التقاط ما هو جوهري في قراءة التصعيد الدبلوماسي الذي ظهر على لسان الصفدي مؤخراً، حيث محاكاة سياسية واجتماعية للحالة العامة اضطرارية الطابع؛ لأن مخاوف وهواجس الحالة الشعبية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ 29 عاماً، وتحديداً منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994، وهي هواجس يعتبرها الأردنيون اليوم تعبيراً عن مخاوفهم الأساسية والجوهرية في ظل برنامج عدائي معلن ضد الوصاية الهاشمية في القدس وضد المصالح الحيوية الأردنية وضد الشعب الفلسطيني. وهو برنامج، برأي عشرات السياسيين، من الطراز الذي يهدد ليس الدولة الأردنية فقط، بل أيضاً الهوية الوطنية الأردنية.
«القدس العربي»