منذ أن هلت علينا بشائر الخصخصة في القرن الماضي أصبح التعامل مع كافة شؤون الدولة بشكل تجاري وليس سياسي ، وتركزت السلطة في يد رجال الأعمال، الذين بدت قراراتهم تجارية بحتة تركز على المصالح المادية وفي اغلبها الشخصية وليس العامة ، وبدأت معالم الفساد تتجذر شيئاً فشيئاً ،وذلك باجتماع السلطة المطلقة مع الثروة الفاحشة ،وتتناسب ثروة هؤلاء تناسباً طردياً مع حجم المديونية للدولة ، لنكتشف أن الديون التي كان يقترضها رجال الأعمال هؤلاء لم تكن سوى صفقات تجارية زادت نسبة ثرائهم ورفعت أنواع الضريبة على الشعب المقهور الذي لم يكن له ذنب باقتراض هذه الأموال ولم يستفيد منها لا من قريب ولا من بعيد.
وقد تسللت عدوى رجال الأعمال السياسيون من مجالس الوزراء المختلفة التي اخذت تتناوب على استلام مقاليد السلطة من صالون سياسي إلى آخر بزعامة رمز من رموز العائلات التي باتت معروفة عند كل مواطن أردني، إلى مجالس النواب حيث أصبح المقعد النيابي حكراً على المقاولين ورجال الأعمال الذين لا يمتون إلى السياسة بصلة ، وأصبحت قرارات نواب الأمة مرتبطة بمصالحهم الشخصية، وكانت ردودهم بأن مقعدهم النيابي كان عبارة عن صفقة تجارية كلفهم الكثير من رأس المال وعليهم خلال فترة نيابتهم استرداد رأس المال وتحقيق بعض الأرباح، ومنهم من يحقق أرباح تفوق رأس المال.
ولم يفهم رجال الدولة(رجال الأعمال) هؤلاء من الخصخصة إلا تخلّي الدولة عن مسؤولياتها تجاه شعبها ، والدخول في مراثون تحقيق الأرباح الفاحشة لرموز السلطة ، وانعكس ذلك على كل قرارات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فأصبح اتفاق السلام مع العدو مصلحة اقتصادية تحقق الفائدة التجارية ، ليس للشعب طبعاً وإنما للذين ابرموا الصفقات التجارية مع تجار الكيان الصهيوني بتصدير بعض البضائع لهم مثل زيت الزيتون واستيراد بعضها منهم ، وأصبح فتح الكازينوهات ولعب القمار وفتح المجال لنوادي البغاء الليلية مصلحة اقتصادية تدر المال على أصحابها والذين غالبهم من رجال الأعمال هؤلاء كما إنهم من روادها.
وقد عمل هؤلاء على اختلاف مواقعهم في الدولة على الاستئثار بكل مقدراتها ، ولابأس بقليل من الأعطيات والمنح والرشاوى توزع هنا وهناك يتم تحصيلها في النهاية من جيوب الشعب المنكوب.
وقد عمل هؤلاء على إبعاد رموز المعارضة بكافة أشكالها من المواقع السياسية المختلفة للدولة ، ولم يكتف هؤلاء بمصادرة مؤسسات المعارضة بل وعمدوا إلى منع تعيين رموز المعارضة من المفاصل المهمة للدولة حتى وان كان أفرادها أي المعارضة من أصحاب الكفاءات ، وتعيين بدلاً منهم مجموعة من الفاسدين أو الساذجين ، كما عمدوا إلى تزوير الانتخابات النيابية والبلدية ، ليكتمل بذلك مشهد الفساد المطلق المتركز بيد السلطة المطلقة.
ولم يغفل هؤلاء التجار ورجال الأعمال عن استعراض بعض المسرحيات والمشاهد الإعلامية التي تصور بطولاتهم الزائفة وان كانت هذه المشاهد فاشلة واقرب إلى الكوميديا التي ايتدر بها الشعب في مجالسه .
إن المشهد السابق هو الذي تكرر على مدى عشرين سنة عجاف في تونس ، وثلاثين سنة أعجف في مصر ، وأربعينات السنوات في كل من ليبيا واليمن ،وتكرر مشهدها لنظام الأب والابن في سوريا.
فهل يعي رجال الأعمال هؤلاء بأنهم يدفعون الشعوب إلى نقطة الصفر ، التي إن وصل إليها الشعب فلا عودة عنها، وان كانت تكلفتها باهظة الثمن ، فإن الجياع والمظلومين لن يجدوا لهم مفراً من ميادين الحرية، وساعتها ستكون ساعة الحساب عسيرة لن ترحم هارباً أو مسجوناً أو مختفياً عن الأنظار مهما بلغت مكانته أو رتبته .
سالم الخطيب