زاد الاردن الاخباري -
لأسباب يمكن فهمها، حققت تعليقات رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز، مؤخراً، في الجزء المتعلق بملف الأحزاب السياسية تحديداً معدلات قياسية في المتابعة والتعليق وفي النقاش والتجاذب، وبصيغة تقرع جرس الإنذار مجدداً بعنوان مخاطر محتملة مع كمائن في طريق مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
الرئيس الفايز تحدث بصراحة عن تقديره الشخصي، لكن هذا التقدير في أهم تجلياته وأبرز ما التقطه المناكفون لمسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد يؤشر على مسألة طالما أقلقت النخب السياسية، فكرتها أن نادي كبار المسؤولين في الواقع ليس موحداً في حمل تصور توافقي متماثل أو متطابق عندما يختص الأمر بمعرفة الخطوة التالية في منطوق ومضمون مرحلة ما بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد.
الاختلاف بين كبار الساسة والمشرعين يصبح مفيداً ومكسباً عندما تنضج فكرة الأحزاب السياسية في بيئة اجتماعية وبيروقراطية حاضنة لها. وهنا حصراً، تصبح رسائل الرئيس فيصل الفايز في عمق وجوهر المسألة والإنتاجية، لكن عندما تكون البيئة سلبية تصبح مثل هذه التعليقات حجة وذريعة لكل سعاة التشكيك والتردد.
في كل حال، ما قاله الفايز بالخصوص بسيط ومختصر، فهو يرى صعوبة في تحزب العشائر وانتقال التنظيم الحزبي لها، ويقدر بأن الحالة الداخلية عموماً ضعيفة وبأن الأحزاب السياسية لا تستطيع حملها ولا مواجهة تحديات الصف الداخلي بوضعها الحالي، ويطالب طبعاً بالمزيد من الوقت والنضج.
التقط كثيرون إشارات رئيس مجلس الأعيان وظلموها في التشخيص أحياناً باعتبارها قرينة في الاتجاه المعاكس لتحديث المنظومة الحزبية. وعلى الرغم من أن بعض النقاشات غرقت في النوايا أو حاولت اصطياد مسؤول بارز بعبارة هنا أو هناك، فإن الحصاة التي ألقاها رئيس الأعيان حركت المياه الراكدة في النقاش، وأظهرت – حتى برأي خبير في العمل الحزبي مثل مروان الفاعوري- بأن الحاجة ملحة لكي يتوافق كبار المسؤولين فيما بينهم على بعض التفاصيل مسار التحديث والإصلاح قبل مخاطبة الشعب الأردني الذي يعاني.
في المقابل، يقتنص ناشط مشتبك في التفاصيل النقابية والسياسية مثل أحمد أبو غنيمة، ما هو جوهري برأيه في تعليقات الفايز لكي يلاحظ بأن ما قاله الرجل هو ما يقوله أصلاً من يتهمون بالمعارضة والمناكفة أحياناً. في الأثناء، برزت مداخلة متلفزة في خطاب للأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، يرى فيها أن مشكلة الإصلاح في الأردن تكمن في المسؤولين والسياسيين الذين يتم الاعتماد عليهم، معتبراً أن الشعب الأردني قوي بذاته وجيشه وأحزابه، وقادر على تحمل المسؤوليات الجسام بطبعه، ومؤكداً أن الجبهة الداخلية لا يمكن حمايتها إلا بعملية إصلاحية تحتاج إصلاحيين في الإدارة ومواقع الصف الأول.
ما كشفته السجالات التي أعقبت مداخلات الفايز عودة غير محمودة عملياً للمربع الأول في نقاشات التحديث والمنظومة، وهي عودة في غير وقتها ويمكن الاستغناء عنها. لكن نقاشاتها توحي مجدداً بأن الحاجة ملحة جداً لجمع كبار المسؤولين مجدداً وإبلاغهم بأن المطلوب لعبور مشروع تحديث المنظومة السياسية ودعم الأحزاب بعد الآن ليس التسحيج للرؤية والمشروع وإطلاق العبارات الإنشائية والعامة لأغراض الاستهلاك الإعلامي والبيروقراطي، بقدر ما هو مطلوب العمل من أجل الرؤية وفي ظلها بالتزام.
والمطلوب هو حصراً ما ألمح إليه المحامي والإعلامي المعروف محمد الصبيحي، عندما قال إن مبدأ سيادة القانون أولاً وأخيراً هو الرافعة الحقيقية للإصلاح الجذري والشامل والتحديث.
والمطلوب في المقابل والتوازي، أن يجلس كبار المسؤولين فيما بينهم مادام تحديث المنظومة درباً إلزامياً مقرراً حظي بالتوافق والغطاء للتشاور وإقرار التفاصيل والإجابة عن الأسئلة البسيطة لكي تظهر قرارات وإجراءات وتصريحات مسؤولي الدولة، والمؤسسات تشبه بعضها في الحد الأدنى عند الإجابة عن أسئلة صغيرة من طراز: متى وأين وكيف؟
واضح تماماً ليس في سياق تعليقات الفايز التي حرفت عن سياقها، أن الصورة ينبغي أن تكون أوضح وسط المسؤولين وليس المواطنين. وواضح تماماً أن مشروع التحديث الثلاثي يحتاج إلى التسويق والتمرير بين المسؤولين التنفيذيين قبل الشارع والرأي العام، لأن اللغة واللهجة ينبغي أن تتوحدا بين البيروقراطيين بعد الآن، ولأن إقناع الجمهور غير ممكن قبل إقناع رموز وأدوات الإدارة العليا أنفسهم بما تقرر، حتى لا تتكرر تجربة الأرواق النقاشية الشهيرة منذ أعوام عدة والتي حاربتها الحكومات والنخب داخل الدولة وليس خارجها.
وعليه، يمكن القول أيضاً بأن الجانب الإجرائي في بعض التفاصيل مثل ملاحقة حزب الشراكة والإنقاذ وغياب مسطرة تسهيلات موحدة لنشاطات الأحزاب الجديدة والقديمة، هي من العناصر الضرورية جداً مرحلياً حتى يقفز مشروع تحديث المنظومة من مسار الدولة وبعض النخب والمؤسسات إلى منسوب اليقين الشعبي.. تلك المهمة الأخطر والأهم مرحلياً.
«القدس العربي»