سلامة الدرعاوي- لا يوجد همّ اقتصاديّ يرتقي لمستوى الخطر الحقيقيّ على الاستقرار العامّ مثل البطالة، الّتي تقول أرقامها الرسميّة إنّها اقتربت من 22.8 %.
نسب البطالة الراهنة مقلقة بكلّ المعايير ومرفوضة من شريحة واسعة من المراقبين والمحلّلين الّذين يرون فيها نسبا غير واقعيّة بالنظر إلى أنّها تعتمد فقط على أعداد المتقدّمين بطلبات التوظيف لدى ديوان الخدمة المدنيّة. وتتراوح أعدادهم بين 400-500 ألف طلب متراكم منذ سنوات، وهذه النسب لا تشير إلى واقعيّة حجم البطالة الحقيقيّ.
ويعتبرونها أقلّ ممّا هو معلن، لأنّ الغالبيّة من المتقدّمين للتوظيف ينضمّون للأعمال الحرّة أو غير الرسميّة أو حتّى ما يسمّى بـ”اقتصاد الظلّ”. وبالتّالي، حسب وجهة نظر مشروعة، قد تكون نسب البطالة أقلّ ممّا هو معلن إذا ما تمّ تغيير منهجيّة البحث الّتي تعتمد على سؤال تقليديّ في البحث عن العمل.
فريق آخر يرى أنّ معدّلات البطالة قد تكون أكبر ممّا تعلنه دائرة الإحصاءات العامّة، بسبب عدم قدرة الاقتصاد الوطنيّ على التوظيف نتيجة المشاكل الهيكليّة الّتي تواجهه، والّتي تحول دون خلق وظائف جديدة لأكثر من 156 ألف شخص يدخلون سوق العمل سنويّاً، منهم 88 ألف خرّيج من الجامعات وكليّات المجتمع. ولا يمكن للاقتصاد الوطنيّ الّذي يعيش في حالة تباطؤ ومعدّلات نموه في السنوات العشر الأخيرة بحدود 2 % أن يتصدّى لشبح البطالة.
ما بين الرأيين السابقين تطرح مجموعة من الأسئلة الّتي تتطلّب إجابات عنها بشكل علميّ ودقيق بعيداً عن الانطباعات.
فالأصل في هذه الإجابات أن تكون معتمدة على قاعدة بيانات دقيقة لواقع العمالة والتوظيف.
بين الرأيين السابقين تظهر أسئلة حول واقع البطالة وأسبابها وهل هناك فعلاً حواجز حقيقيّة تحول دون توسيع قاعدة التوظيف أو حتّى إقبال الأردنيّين على العمل في القطاعات المختلفة.
كيف لراسم السياسة الاقتصاديّة أن يفسّر الانقلاب والتحوّل الإيجابيّ في التشغيل من العمالة الوافدة للعمالة المحلّيّة في قطاع السياحة خلال العقدين الماضيين وبكلّ سلاسة وهدوء؟
أليس من الحقوق الأساسيّة للعاملين في مختلف المهن والأعمال- الّتي لا ينبغي أن تقدّم كمنة من الحكومات- مثل الضمان والتأمين الصحيّ والحقوق الماليّة للعمّال؟ هذه الحقوق تعتبر أداة فعّالة لتغيير نظرة الأردنيّين إزاء بعض المهن والترحيب بها. من جهة أخرى، إذا كانت بعض المهن توفّر دخلاً عالياً، ولكن لا توفّر هذه الحقوق الأساسيّة للعمّال، فهل لا يؤدّي ذلك إلى تجنّبها من قبل المواطنين؟
كيف يمكن للتنشئة المدرسيّة والأسريّة أن ترتقي بمفهوم العمل لدى الفرد منذ الصغر، وأن تغيّر تفكيره التقليديّ حول الوظيفة إلى مفهوم شامل للعمل من أجل تحسين حياتهم وأعمالهم وضمانهم المعيشيّ؟
حتّى طبيعة العلاقات العائليّة والعشائريّة، وتحديداً في المحافظات، لها دور بالغ الأهمّيّة في تشكيل نظرة إيجابيّة للعمل لدى الفرد، خاصّة بالنسبة لحملة الشهادات الأكاديميّة الّذين ما زال الكثير منهم يحلم بالوظيفة العامّة.
ليس لدينا تتبّع حقيقيّ رسميّ لواقع المتخرّجين، الغالبيّة منهم يتقدّمون فور تخرّجهم بطلب توظيف لديوان الخدمة المدنيّة. فهل من المعقول والمنطقيّ أن يظلّ شخص ينتظر سنوات طويلة دوره في ديوان الخدمة وهو لا يعمل بتاتاً بأيّ شكل من الأشكال؟
كيف يمكن للمجتمع أن يفسّر وجود عمالة وافدة تناهز المليون وافد في زمن ترتفع فيه معدّلات البطالة، وتقترب من حاجز الـ30 %؟
وأخيراً، هل نجحت برامج التوظيف والتشغيل الّتي أطلقتها الحكومات المختلفة في تعزيز حضور العامل الأردنيّ في بيئة الأعمال وزيادة مهنيّته وحرفيّته العمّاليّة ليكون أكثر قبولاً في المجتمع الاقتصاديّ وتحديداً في الأعمال القطاعيّة والحرفيّة المختلفة الّتي تستحوذ العمالة الوافدة على نصيب الأسد منها؟ وكيف يقيم القطاع الخاصّ تجربته الخاصّة من خطط وبرامج للتشغيل؟
أسئلة عديدة تدور حول حقيقة البطالة في الأردنّ والمشاكل الهيكليّة الّتي تشكّل تحدّياً حقيقيّاً ومزمناً في الاقتصاد الوطنيّ، تتطلّب الإجابة الحقيقيّة والصريحة عليها من قبل المسؤولين، من أجل إيجاد خريطة حلول فعليّة لواقع البطالة وكيفيّة مواجهتها بأسلوب اقتصاديّ بحت.