سميح المعايطة- رغم معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل ورغم المعادلة الإقليمية والدولية التي تؤثر كثيرا في مفاصل العلاقة الأردنية الإسرائيلية وحتى بقاء المعاهدة والعلاقات الثنائية إلا أنه منذ العام 1997 وحتى اليوم فإن هذه العلاقة مرت وما زالت بأزمات ومراحل ضعف وتوتر كثيرة حتى أصبح هذا الضعف والبرود هو السمة الغالبة على هذه العلاقات سياسيا والسبب الرئيسي هو المفهوم الإسرائيلي للسلام بأنه وسيلة وليس غاية لصناعة أمن المنطقة واستقرارها، ولأن إسرائيل، المجتمع والدولة، تذهب مسرعة نحو مزيد من التطرف والعنصرية، ولأن إسرائيل لا تتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية شعب له حقوق، بل تريد من الفلسطينيين أن يكونوا جزءا من منظومة أمنها، وكل هذا عوامل تناقض مع الموقف الأردني ومصالحنا.
ولهذا، فالواقع اليوم يقول، إن العلاقة السياسية بيننا وبين كيان الاحتلال عبء يومي على الدولة ومصدر قلق وأزمات تنعكس بشكل مباشر على المعادلة الداخلية الأردنية.
والأحداث التي تظهر في كل حين في هذه العلاقة وخاصة في ملف القدس أو قضايا ثنائية تقول إن الأردن سيبقى يعاني من أزمات ومحطات توتر لأنه اختار أن يتعامل مع إسرائيل بندية، ورفض كل السياسات التي تؤثر على مصالحه أو تستهدف المقدسات أو تحاول أخذ القضية الفلسطينية إلى مربع القناعات الإسرائيلية وليس باعتبارها قضية شعب وحقوق للأردن فيها مصالح عليا.
ولهذا فالأمر ليس حالة توتر تأتي نتيجة سلوك عدواني إسرائيلي، فقط، بل هو مسار لكيان الاحتلال في إدارته للملف الفلسطيني والقدس، لا يقبله الأردن ولا يتعامل معه إلا بموقف واضح وصادق وقوي، ولهذا فالعلاقة السياسية بين الأردن وإسرائيل ستبقى في غالب مراحلها متوترة باردة وستكون دائما هناك مواسم مواجهة سياسية، ولهذا فالأردن دائما بحاجة إلى كل الأوراق في هذا الصراع السياسي الطويل، ويحتاج أيضا ألا يكون هناك أي نقاط ضعف من أي طرف أردني أو قريب من الأردن يمكن أن تعطي لإسرائيل فرصة للابتزاز أو التحريض على الأردن أو المقايضة أو حتى وضع الدولة الأردنية في موقف ضعيف سياسيا أو أمام دول العالم التي تحترم الموقف الأردني وتدعمه في محطات التوتر السياسي مع إسرائيل.
عندما تواجه خصما أو عدوا يفترض ألا تقدم له هدايا مجانية يمارس من خلالها ضغوطات عليك أو يستعملها لتشويه صورتك أو التحريض عليك، ويفترض بكل من هو معني بقوة الأردن وتعزيز قدرته على مواجهة الاحتلال سياسيا ودبلوماسيا ألا يقوم بأي سلوك- مهما كانت النوايا- يتحول إلى حالة ضاغطة على الأردن أو ورقة لمصلحة كيان الاحتلال.
قصتنا مع إسرائيل ليست في عدوان في القدس أو اقتحام من مستوطن لساحات الأقصى فهذه أعراض للقصة الكبرى وهي الصراع بين مسار صهيوني متطرف لا يؤمن بأن فلسطين قضية شعب له حقوق، وبين موقف أردني يسعى للحفاظ على حق الشعب الفلسطيني الوطني والسياسي على أرضه وحماية مصالح الأردن والدفاع عن هويته الوطنية.
ربما آن الأوان لفكر وطني أردني في التعامل مع هذا الصراع والتناقض، بحيث نوفر للدولة كل الأوراق وعناصر القوة في هذه المواجهة المستمرة، ولأن إسرائيل هي التي أضعفت ما يسمى معسكر السلام، فإن من الطبيعي أن تتزايد نسبة من لا يؤمنون بأنها تريد السلام، ومن حق كل فرد أو جهة أن تتبنى ما تشاء من قناعات حول العلاقة الدبلوماسية مع إسرائيل، وطبيعي جدا أن يكون هناك من لا يؤمن بهذه العلاقة أو من لا يؤمن بجدية إسرائيل نحو السلام، لكن ما يجب ألا نختلف عليه هو الإيمان بضرورة دعم موقف الدولة في مواجهة سياسات الاحتلال، وأن يكون تعبيرنا عن مواقفنا وقناعاتنا بشكل يزيد من قوة الدولة في مواجهة الاحتلال، وأن لا يذهب أي طرف إلى أي موقف أو مصلحة بشكل يضعف موقف الأردن أو يوفر للاحتلال ورقة ضغط أو ابتزاز أو تحريض على الأردن.