في تقرير إخباري عن مشكلة النفايات في الزرقاء، نُشر في صحيفة الدستور، يوم الأحد 11-9-2011، تناول الأخ إبراهيم أبو زينة هذه المشكلة المزمنة التي تعاني منها مدينة الزرقاء منذ أمد بعيد، ولم يتغير الحال كثيراً بتغير المسؤولين. وقد تفاقمت مشكلة النفايات مؤخراً بشكل غير مسبوق، فقد نشرت بعض المواقع الإخبارية أن بعض الدخلات في الزرقاء مقفلة بسبب تراكم النفايات داخلها.
وفي أثناء عيد الفطر كانت مشكلة النفايات بارزة للعيان وأفسدت على الناس عيدهم بسبب طغيان النفايات على الشوارع والأرصفة، وهذا ما لفت انتباه بعض الأصدقاء ممن زاروني فترة العيد ولم يصدقوا أن في الزرقاء بلدية لهول ما شاهدوه من انسياح النفايات، ووجود حاويات وحولها أكوام من النفايات تملأ عدة حاويات، ولم أستطع –للأسف- أن أدافع عن مدينتي أمام (الأغراب) لأن الأدلة أكبر من أي إنكار!
قبل سنتين تقريباً زار الكاتب المحامي محمد الصبيحي الزرقاء، ونشر مقالة بعنوان (الزرقاء المدينة المظلومة والظالمة) نشرت في صحيفة الرأي بتاريخ 16-10-2009، جاء فيها مما شاهد: \"أن ما رأيته يمكن التعبير عنه بالقول وبدون مبالغة أن بعض شوارع مدينة الزرقاء ليست الا حاوية نفايات مفتوحة، المياه الراكدة في المطبات في كل مكان والنفايات في عرض الشوارع والارصفة حتى أن لها رائحة مميزة يمكنك بالتكرار أن تعرف أنك في شوارع الزرقاء لو قادوك اليها مغمض العينين، هذا حال الشوارع الرئيسية أما الازقة والدخلات بين المتاجر فحدث ولا حرج وعليك أن تحتاط على كمامات.. فقط من باب الاحتياط ان كانت لديك حساسية ضد أنواع العطور العضوية.\"
ويقول: \"بعد ساعات أربع من التجوال في المدينة التي يوحي أسمها الى لون البحر أو صفاء السماء لم أجد ما يمكن أن أثني عليه وأقول به خيرا سوى أمر واحد وهو أنخفاض أسعار كل السلع في الزرقاء عنها في العاصمة.\"
ولكن ليس من العدل والانصاف أن نحمل لجنة البلدية الحالية وحدها مسؤولية المشكلة، فهي مشكلة مزمنة، مرتبطة بإدارات مترهلة، وغياب الرقابة والمتابعة الحثيثة المستمرة، وآليات غير كافية، وعمالة في أغلبها حبر على ورق، دخلت الوظيفة لتستشيخ تاركين مهمة النظافة للعمالة المصرية التي تنوب عنهم، ولكن لا يمكن أن يقوم الواحد منهم بعمل ثلاثة!
بالإضافة إلى ضعف الرقابة الشعبية، وقلة المتابعة من الجهات الرسمية الأخرى وبالذات الصحة والمحافظة والبيئة. ولعل المسؤولية الكبرى تقع على عاتق وزارة البلديات التي يبدو أنها اكتفت بدور المتابع عن بعد دون أن تكلف خاطرها أن تراقب الوضع عن كثب، لا سيما وأن مشكلة النفايات في الزرقاء ليست وليدة اليوم فقط، فهي مشكلة المشاكل، وأكبر تحد يواجهه أي رئيس بلدية.
مشكلة النفايات نتاج تقصير شنيع، وإهمال مخيف، وترهل متراكم، وفساد مستوطن، ولا أظنها مشكلة مستعصية إلا عند العاجزين، ووزارة أو حكومة تعجز عن حل مشكلة كالنفايات، فإنها عن غيرها أعجز!
وفي مؤشر خطير، يكشف حجم الكارثة، ويظهر مدى غياب المسؤولين، ويفقد المواطنين كل أمل بحل المشكلة، بل ويفقدهم الثقة بالجهاز الحكومي برمته، يأتي تصريح وزير الشؤون البلدية الدكتور حازم قشوع حول مشكلة نفايات الزرقاء، ففي التقرير المشار إليه يقول الوزير: \"أن أحدا من المواطنين لم يبلغه بأي شكوى، مؤكدا أنه وإذا تبين صحة ذلك التردي والتقصير من قبل البلدية فلن يتأخر في اتخاذ إجراءاته وسيصدر قراراته التي ستصب حتما في صالح المواطنين، منوها أن البلدية والوزارة موجودتان من أجل راحة المواطنين وخدمتهم.\" وهو تصريح أقل ما يقال فيه أنه فضيحة، لأن المشكلة أصبحت من العبث الحديث عنها أو الشكوى بشأنها، لأن لسان حال المواطن يقول: (أشتكي مين، واشتكي لمين، وأشتكي آيه، وأسيب آيه)، وإذا كان الوزير يتنصل من واجباته، ولا يدري عن المشكلة فهذه كارثة، فإذا كانت الشمس لا يمكن حجبها بغربال، فإن مشكلة نفايات الزرقاء لا تحجبها الجبال، وهي أشهر معالم الزرقاء، بل هي متلازمة لا تنفك عن الزرقاء بفضل تقصير المسؤولين الذين استمرأوا الجلوس في المكاتب المكيفة وتخلوا عن مهماتهم التي يقبضون منها رواتبهم من جيوب المواطنين ودمائهم.
لو اعترف معالي الوزير بالمشكلة التي لا يمكن إنكارها لهان الأمر، أما أن ينتظر أن يتقدم المواطنون بالشكوى فهذا أمر لا يقبله عقل، وكأنه مطلوب من المطعون الذي بنزف دماً أن يكتب برجاء معالجته، ولمن أوشك على الغرق أن يكتب استدعاء لانقاذه، ولمن يصارع وسط الحريق أن يقدم التماساً مكتوباً لإخماد الحريق . ونسي معاليه أن من صلب مهماته وأولى أولياته أن يتحسس مواطن الخلل في كل ربوع الأردن، وأن يوجه موظفيه وأجهزته أن تقوم بدورها على أكمل وجه، لأن الناس أصابهم اليأس والإحباط، وما عادت صرخاتهم تجدي لأنها ترتد على جدران صلدة لا يسمعها من في المكاتب، ربما بسبب هدير المكيفات، أو لأصوات الفضائيات، ومجالس الأنس!
من المعيب حقاً أن نعرِّف المسؤولين بواجباتهم ومسؤولياتهم، وأن نطلب منهم أن يتلطفوا بالقيام بها، وليتحملوا غلظتنا وقلة ذوقنا، وكلنا أسف على إزعاجهم وإيقاظهم من سباتهم، وإقلاق راحتهم. وكأن ما يحدث من هزات هنا وهناك، وكل هذه المطالبات الشعبية بالإصلاح لم تحرك فيهم ساكناً، ولم تغير من أساليبهم وقناعاتهم واستجاباتهم.
يا وزير الشؤون البلدية، صح النوم، إذا كنت لا تدري عن مشكلة النفايات في الزرقاء، وهي أظهر للعيان من الشمس في رابعة النهار، فقل لي بربك عن ماذا تدري في الأردن؟؟!!
mosa2x@yahoo.com