الوضع الاقتصادي المعيشي يبقى العنوان الساخن الذي يسري في التفاصيل الحياتية للمواطن الاردني كالنار في الهشيم ،وكل ما عداه عناوين متفرعة عنه، فالازمة تتعمق وتشق طريقها حتى بلغت جدران البيوت وليس أعتابها فقط .
إن المواطن الاردني الذي أصبح على قناعة تامة بأن الحالة السياسية المتعلقة بحرية التعبير موصدة بوجهه بأقفال من " بولاد " وانه لا يمكن التعبيرعن الرأي السياسي بحرية ، يدرك في المقابل أنه لا توجد قوة تستطيع أن تمنعه من التذمر والشكوى من أزمة التدهور المعيشية التي تنغص حياته وحياة أسرته.
وفي خضم هذه الازمة يطرح المواطن والمراقب للاوضاع الداخلية، بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، من هو المسؤول عن كل ما جرى ويجري في الوطن ؟ وهل تتحمل ما تسمى بالدولة العميقة المسؤولية عن كل هذا الانهيار ، خاصة أنها متهمة بأنها هي من ركب الحالة السياسية التي أنتجت الحالة الاقتصادية الصعبة ...
كل دول العالم المتقدمة لديها مراكز قوية وفاعلة،مكونة من خبراء متمرسين من أصحاب التجارب الطويلة والمفكرين والمثقفين وأصحاب القرار وصناعته في حكومات سابقة ، يطلق عليهم مسمى الدولة العميقة، وفي هذه الدول يكون هدف هؤلاء منع الدولة بمؤسساتها من الانحراف عن النهج الذي يتم رسمه لمصلحة البلاد والعباد ، وليس خطف الدولة بمؤسساتها بما يصب بمصلحة هذا الطرف او ذاك او هذا الحزب او ذاك ،بما ينعكس بالنتيجة ايجابا على كل فرد من افراد المجتمع ،من حيث الحصول على مكتسبات التنمية بشكل عادل وبحماية مؤسسات الدولة ورعايتها .
شخصيا ان مع وجود ما يسمى بالدولة العميقة ، التي يكون هدفها مراقبة سير العمل بمؤسسات الدولة ومنع انحرافها عن المسار الذي خطط له قادة الرأي والفكر والمثقفين واصحاب الخبرات الطويلة والمبدعين واصحاب التجارب الاقتصادية الناجحة والخبراء ، اللذين لا مصالح خاصة لهم في تزييف الحقائق أو توجيه مؤسسات الدولة نحو خدمة مشاريع او خطط تصب في مصلحة جهات معينة او قطاعات معينة او افراد .
ان ما شهدناه ونشهده في حالتنا مختلف بكل تأكيد عن المفهوم الحقيقي للدولة العميقة واهميتها في مراقبة اوضاع البلاد بما يخدم مصالح الناس، ويوجه الحكومات والمؤسسات نحو العمل من أجل تحسين الاوضاع الحياتية للمواطن وحماية الوطن ، ما أدى الى فقدان اوضاعنا للتوازن بكل ما فيها ، وضعنا وضاعت مؤسساتنا بين مفهومين"الدولة العميقة والدولة العقيمة" .!
إن مخزون ما أنتج من مسؤولين في السنوات الماضية، في الغالب كانوا ممن ينطبق عليهم المثل " فالج لا تعالج " فالعديد منهم يقيسون اعمالهم على حجم الاموال والمنافع المادية او حتى المعنوية التي كسبوها او سيكسبونها من لحم المواطن ..!وتتحمل المسؤولية عن إنتاجهم ما تسمى بالدولة العميقة التي لم تقم بدور إصلاحي للاوضاع العامة في البلاد ، بل على العكس انتجت" حزمة" من القوى المعطلة من اصحاب التجارب البسيطة للوصول الى المواقع المتقدمة في الحكومات أو في المجالس النيابية ، ما ادى الى اخذ البلاد نحو الدولة العقيمة ، باعتبار ان هذا الانتاج قد كرس مفهوما عجيبا يقول " من وين نجيب مسؤولين " وكأن البلد لا يوجد بها احد غير هذه الوجوه التي دفعتها الغرف المغلقة الى السطح لتطفو على بحر المسؤولية.
ان المشكلة هي في البعض ممن يتولون المناصب الحساسة حيث يرى انه الوحيد القادرعلى انقاذ البلد ،وانه هو من يستطيع وضعه على طريق التغيير، وانه هو من ينتج وسينتج القيادات والاحزاب والحكومات والنواب والاعيان وقيادات الصف الثاني والثالث في الحكومات بما يؤدي الى النهوض بالبلد ، دون ان يدرك هذا المسؤول او ذاك ان الوطن اكبر منه واكبر منا جميعا ، وانه بدون مشاركة المجتمع بشكل عام ، وخاصة من خلال انتخابات نيابية حقيقية لا يتم التلاعب بها، فانه لن يكون هناك اصلاح ولا ما يحزنون وستبقى الثقة بمؤسسات الدولة معدومة ، وسيبقى المواطن ينظر الى من يديرون المشهد العام بنظرة الريبة والشك ، خاصة مع ادراكه من خلال قرارات هؤلاء ان الدولة مخطوفة ، وهي مخطوفة وذاهبة الى حالة الدولة العقيمة .