كتابة مقال في ذكرى يوم الاستقلال، تماثل قدح شرارة في فضاء مظلم، ذلك أن الحديث عن مناسبة استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، يحتاج إلى السرد التاريخي، والوقوف على الكثير من المحطات السياسية، التي مرت بها البلاد، وبَذلَ خلالها الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، جهوداً عظيمة مع حكوماته المتعاقبة، للموائمة بين طموحات أفراد الشعب الأردني، ونخبه السياسية، وزعاماته الوطنية، التي كانت تتفجر عاطفةً وحماسة، وبين المحددات السياسية العالمية، التي كانت تفرضها الحكومة البريطانية المنتدبة على إمارة شرق الأردن.
هذه الرحلة السياسية الشاقة، التي استمرت ربع قرن، بدأت منذ وصول الأمير عبدالله بن الحسين إلى معان في 21 تشرين ثاني 1920م، واستمرت حتى صدور الإرادة الملكية بالموافقة على قرار المجلس التشريعي الصادر في دورته فوف العادية التي عقدت بتاريخ 25 أيار 1946م، والتي قرر فيها اعلان البلاد الأردنية مستقلة استقلالاً تاماً، والبيعة للملك عبدالله بن الحسين ملكاً دستورياً على المملكة الأردنية الهاشمية، ورفع القرار للملك للمصادقة عليه، فكانت كلمات الملك المؤسس عبدالله بن الحسين على هذا القرار قوله: "متكلاً على الله تعالى أوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً بحكومتي"، واعتبر يوم 25 أيار من كل عام، عيداً رسمياً، بمناسبة ذكرى الاستقلال.
واليوم ونحن ندخل الربع الرابع من المئوية الأولى لاستقلال الدولة الأردنية، تواجهنا الكثير من المشاكل التي تفرضها علينا تفاعلات السياسة العالمية، وأخرى داخلية متجذرة في مؤسسات الدولة المختلفة، ومنها ما هو متأصل في أطباعنا السلوكية، كأفراد في مجتمع يتجه نحو المدنية، حالنا اليوم كحال أسلافنا، الصراع قائم بين طموحاتنا السياسية، والاقتصادية، وآمالنا الكبيرة، في مواجهة مرونة مؤسسات الدولة، ومدى قدرتها على العبور بنا إلى مراحل متجددة ومتطورة في عمر الدولة الأردنية.
وعلينا أن ندرك تماماً غض النظر عن ميولنا السياسية، واتجاهاتنا الفكرية، وطموحاتنا المستقبلية، أن هذا الدولة تأسست بجهود عظيمة من قيادة هاشمية تحملت الكثير الكثير من التشكيك والمعاداة في الداخل والخارج، وإلى جانب القيادة الهاشمية وقف القائد، والزعيم، والشيخ، والمعلم، والجندي، والمزارع، والطبيب، والطالب، وكل فرد من أفراد المجتمع الأردني، للمساهمة في بناء هذه الدولة.
إن الأجيال التي ولدت في عهد استقلال هذه الدولة، تحمل أرثاً عظيماً لأسلافها الذين بذلوا قصارى جهدهم للحصول على هذا الاستقلال، فالاستقلال بالنسبة لهم يعني الكثير، فهو مطلق السيادة، واصل الشرعية، وحق الإدارة والتصرف، وقبول ما هو دون هذا الكثير، يعني التخلي عن الحق المكتسب، ويعني التراجع في الأداء، ويعني الضعف المعوز للوصاية. لن ينسى تاريخ الدولة تسجيل الأحداث، وسيحفظ لكل فرد مخلص قام بدورة على أكمل وجه في نهضة هذا البلد صورته الناصعة النقية، ولن يقصر عن دمغ صفحة المقصر بدمغة الفشل والخذلان.
الدكتور كايد الركيبات
kayedrkibat@gmail.com