زاد الاردن الاخباري -
توصل فريق بعثة صندوق النقد_الدولي، منتصف الشهر لاتفاق مع الحكومة الأردنية لإجراء مراجعة سادسة لأداء الاقتصاد ضمن ما يسمى برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي وضعته الحكومة.
والبرنامج ترى الحكومة فيه “منعة للاقتصاد الأردني ونيلا لثقة المجتمع الدولي” -بحسب وزير المالية محمد العسعس- بينما ترى فيه قوى معارضة استمرارا لنهج اقتصادي أوصل البلاد إلى أزمات اقتصادية بسبب “وصفات الصندوق التي رفعت الحماية الاجتماعية عن المواطنين”.
وبالرغم من برامج التصحيح المدعومة من صندوق النقد الدولي في السنوات الماضية والتي بدأت عام 1989، فقد شهد الاقتصاد الأردني من حيث مؤشرات ارتفاع الدين العام ( 42.8 مليار دولار) والعجز المستمر في الميزانية (2.5 مليار دولار)، وارتفاع البطالة (22.8%)، في حين تراجعت حماية الشبكة الاجتماعية لدعم الأسر الفقيرة، التي تقدمها السلطات للمواطنين.
إلا أن وزير المالية العسعس، اعتبر في مؤتمر صحفي في 18 أيار/ مايو أن “الأردن استطاع الحفاظ على استقراره المالي والنقدي في أعتى الظروف العالمية تقلبا، وفي ظل صعوبات اقتصادية تواجهها دول عديدة في العالم؛ بسبب إصلاحات قامت بها الحكومة لتعزيز استقرار ومنعة الاقتصاد”.
رفع إجمالي التمويل للأردن
وقال صندوق النقد عبر موقعه الإلكتروني إن “الاتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي سيرفع إجمالي دفعات صندوق النقد الدولي منذ بدء البرنامج في 2020 إلى 1.300 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 1.750 مليون دولار أمريكي)، ويخضع هذا الاتفاق لموافقة إدارة الصندوق العليا والمجلس التنفيذي”.
وأشار إلى أنه “في ضوء معدل البطالة الحالي بين الشباب والنساء، فإن الإصلاحات الهيكلية ضرورية لتحقيق نمو قوي وشامل وغني بفرص العمل”.
ويشدد الصندوق على أهمية الاستفادة من التقدم الذي تحقق في الأردن خلال السنوات السابقة، بهدف تخفيض الدين العام إلى ما دون الـ80% من الناتج المحلي، متوقعا استمرار نمو الاقتصاد الأردني في العام الحالي بنسبة 2.6%.
ويشير إلى أن معدلات النمو التي تتراوح بين 2% و3% غير كافية لتحسين مستوى حياة المواطنين، مضيفا أن معدلات البطالة في الأردن لا تزال مرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، وهذا يؤكد ضرورة الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية.
إجراءات اقتصادية انكماشية
ويعتبر الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت أن سلسلة الحزم والإجراءات الاقتصادية والسياسات المالية والاقتصادية “النيوليبرالية”، التي اشترطها الصندوق على الأردن للحصول على التمويل رتبت إجراءات اقتصادية انكماشية أضرت بالفقراء والشرائح الوسطى في المجتمع.
ويوضح الكتوت ، أن هذه السياسات تقضي بـ”رفع أسعار السلع على المواطنين والتوقف عن دعم سلع أساسية، وفرض الضرائب غير المباشرة وتحديدا ضريبة المبيعات وتحرير التجارة الخارجية، وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات في قطاعات حيوية ورفع الحماية عن الإنتاج الوطني، وتولّي القطاع الخاص قيادة الاقتصاد، وإلغاء القيود على الاستثمارات الأجنبية وتحرير أسواق المال، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة”.
ويؤكد أن برامج الصندوق فشلت في تخفيض نسبة الدين العام الذي وصل إلى 77% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية سنة 2021. في حين واصل الدين العام ارتفاعه، إذ بلغت نسبته في نهاية سنة 2021 حوالي 111% من الناتج المحلي الإجمالي بقيمة إجمالية بلغت 35.767 مليار دينار، وفق المعلومات الواردة في نشرة وزارة المالية الصادرة في نيسان 2022.
تاريخ طويل من برامج الصندوق
وتعود علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي إلى عام 1989، عندما طلب الأردن مساعدة صندوق النقد الدولي بعد أزمة اقتصادية حادة ضربت البلاد في الجزء الأخير من ذلك العقد. وتم توقيع الاتفاقية الأولى في عام 1989 بهدف تقليل عجز الموازنة.
وأعقب هذا الاتفاق ست اتفاقيات أخرى، إلى أن “تخرج” الأردن من هذه البرامج لأول مرة في عام 2014.
وفي كانون الثاني/ يناير 2020، وقبل شهرين فقط من انتشار جائحة COVID-19 في الأردن، فقد توصلت السلطات إلى اتفاقية تسهيل الصندوق الممدد النهائي مع صندوق النقد الدولي، ليتفق مؤخرا على مراجعة جديدة سيعقبها برنامج جديد.
الكاتب والمحلل الاقتصادي، سلامة الدرعاوي، رأى أن هناك ثلاث مشكلات مزمنة ستظل تعكر صفو عمليات الإصلاح الاقتصادي يلخصها بـ: “مديونية شركة الكهرباء الوطنية، وبند المعالجات الطبية (الإعفاءات) خارج تقديرات الموازنة، ودعم السلع عوضاً عن دعم المواطن”.
ويتابع: “كل هذه القضايا تحتاج إلى قرارات إدارية جراحية وعميقة في الاقتصاد، ويجب أن تكون في أيدي مسؤولين قادرين على إدارة الأزمة بشكل صارم دون تردد في اتخاذ القرار الصائب”.
هل سيمس برنامج الصندوق حياة المواطن؟
وزير المالية السابق محمد أبو حمور استبعد اتخاذ أي قرارات غير شعبوية في مخرجات المراجعة السادسة لصندوق النقد الدولي، نظرا لاتفاق الحكومة على عدم رفع الضرائب على الإطلاق خلال الفترة المقبلة على الأقل.
بينما يرى أن الاقتصاد ما زال يواجه العديد من التحديات في تحسين مستوى حياة المواطنين، في وقت يؤكد فيه صندوق النقد الدولي أن الأردن يتجه في الاتجاه الصحيح في ما يتعلق بالسياسة النقدية والمالية.
ويرجع أبو حمور ، تفاقم الأوضاع الاقتصادية إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا وارتفاع أسعار الفائدة على المقترضين مع استقرار الدخول، مشيرا إلى أن ذلك انعكس على ارتفاع الأسعار، خاصة في المواد الغذائية والنفط، وتأثر الأردن وبقية العالم بهذا الارتفاع، ما أثر على المستوى المعيشي للمواطنين وأولوياتهم.
ويشير إلى أنه “على الرغم من وجود عجز في الموازنة وارتفاع مستوى المديونية بشكل كبير، فإن صندوق النقد الدولي يعتبر أن الحفاظ على هذا المستوى مناسبا”.
ويعتقد أبو حمور أن “تحسين الظروف الاقتصادية والمستوى المعيشي أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحقيق نمو اقتصادي يفوق معدلات النمو السكاني بأضعاف، حتى يشعر المواطنون بالتغيير”.
ويعتبر الأردن من البلدان متوسطة الدخل بحسب مستوى الدخل للعام المالي 2021-2022، التي يتراوح نصيب دخل الفرد فيها من الناتج القومي الإجمالي بين 4,096 و12,695 دولارا سنويا.
ورغم سلسلة البرامج “التصحيحية” يرى اقتصاديون أن برامج صندوق النقد الدولي لم تفض إلى نتائج اقتصادية واجتماعية إيجابية ملموسة على حياة الأردنيين بعد ارتفاع نسبة البطالة، وزيادة عدد الفقراء في البلاد.