ثمة فارق بين أن يخطئ موظف عادي وأن يخطئ مسؤول كبير. وثمة فارق بين أن لا يحسن موظف عادي التقدير في التصرف في موقف ما، وألا يحسن مسؤول رفيع التقدير في التصرف في الموقف نفسه. التجارب أثبتت أن أخطاء الموظفين تعالج وتمر مرور غير الكرام، وأخطاء المسؤولين تتحول إلى قضية رأي عام، ولا تمر إلا كإعصار يقتلع في طريقه العديد من الرؤوس.
وفي الكثير من الدول في العالم يتسبب بعض المسؤولين في حرج كبير للحكومات، يضطرها إلى إقالة المسؤول أو تقديم إعتذار علني أو تغيير بعض اللوائح والقوانين. وحدثت غير مرة أن تسبب مسؤول ما في إقالة حكومة بأكملها وإعادة تشكيلها من جديد في عدة دول عظمى. كما حدث مع وزيرة الدفاع الالمانية التي قدمت إستقالتها بسبب سوء التصرف تجاه الدعم المقصود والعلني للحرب في اوكرانيا. وما خرج من تصريحات لرئيس وزراء إنجلترا جونسون مما أجبره على تقديم إستقالته .
وقبل عدة أشهر تم إقالة مسؤولين مصريين من المنصب، بسبب ما سمي «زلة لسان»، حيث تلقفت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي الجملة التي زلت من لساني المسؤولين وحولتهما إلى غضب شعبي عارم، أحرج المسؤولين فاضطرهما إلى تقديم إستقالتهما تحت وطأة الضغط الجماهيري الكبير. وقد حاول الإثنان إعادة تفسير «الزلة» ثم الإعتذار عنها، ولكن دون فائدة.
ومن أهم حيثيات الأخطاء التي يقع فيها المسؤولون وتتحول إلى أزمة رأي عام ، هي عدم تقدير المسؤول لحساسية الموقع الذي يشغله، وعدم إدراكه تمام الإدراك أنه مستهدف بالضرورة وأن عليه أن يتقن عملية إدارة موقعه الوظيفي، بما لا يسمح بوجود ثغرات ينفذ عبرها المتربصون، بالحق أو بالباطل. ومن الملاحظ شغف الكثير من المسؤولين بالظهور في وسائل الإعلام كالقنوات الفضائية أو الصحف، أو شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصا التقاط صور «السيلفي» والتعليق في الـ «سناب تشات». لكن بعض المسؤولين ربما يفتقدون الوقار الذي يجب أن يتحلوا به، وهو كذلك ما يجعلهم يندفعون في التعليقات والتعقيبات غير المحسوبة والإحساس بشجاعة خادعة بالقدرة على المواجهة، والخوض في الجدال الذي غالبا ما ينتهي بـ «زلة لسان» تُسقط المسؤول من منصبه.
وعليه ربما صار لزاماً على حكوماتنا أن توفر دورات مستحدثة للمسؤولين القدامى و الجدد الذين يتقلدون مناصب رفيعة لتعليمهم أصول البروتوكولات الجديدة التي تحميهم في مختلف ظروف تعاملهم مع عامة الناس، وتدربهم على كيفية إدارة علاقاتهم الإجتماعية الجديدة في الواقع المنفتح الذي نعيشه. وقبل هذا وذاك على الحكومات التأكد من إتزان المسؤول الجديد الذي تختاره بالقدر الذي تتأكد فيه من كفاءته المهنية لمنصبه الجديد.
الدكتور هيثم عبدالكريم أحمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي