قراءة في الرسالة الملكية إلى الأسرة التربوية
فارس ذينات
مستوى الخطاب باتجاه المعلمين أخذ منحى جديد , ونقلة نوعيه , فالرسالة الملكية إلى الأسرة التربوية والتعليمية في بداية العام الدراسي الجديد , والتي خاطب فيها المعلمين , على نحو كبير من الصفة الجمعية للفكرة الناشئة من حالة المسمى "النقابة" , كصفة اعتبارية جامعة لإرادة فئة المعلمين على امتداد الوطن .. إنه التغيير الذي سعى له المعلمون منذ بدء حراكهم لتأسيس النقابة , التي تمثل الفكر الجمعي نحو العديد من القضايا , وفي مقدمتها المناحي المعيشية والتربوية , بالإضافة إلى القضايا الوطنية .
تتوجه الرسالة من رأس النظام إلى المعلم باعتباره جوهر العملية التربوية في الدولة الأردنية , والذي يحتاج إلى التطبيق العملي على أرض الواقع من المواقع التنفيذية المختلفة , لاستمرار التوازن في النظام التربوي الأردني , في ظل ولادة النقابة , التي ستكون قوة رئيسة في العملية التربوية , رغم كل محاولات الحكومة والمجلس النيابي في تحديد صلاحياتها , وهذا إيمان من رأس النظام , ومن وزير التربية فيما بعد , والذي قرأ الرسالة - وما بين سطورها - بشكل صحيح , وذلك أن النقابة تستطيع أن تقوم بالفعل التاريخي بصفتها الاعتبارية والجمعية لفكر المعلمين , بأنهم جوهر العملية التربوية , وعموده الفقري , الذي لا يمكن الاستمرار في تهميشه والإستقواء عليه , وتغييبه عن واقع الدور المنوط به في بناء الإنسان الأردني ودولته .
رأس النظام يقول بأن المعلمين شكلوا حالة وطنية تقدمية , في مسعاهم , من أجل تأسيس نقابتهم , تكريساً للحقوق المكفولة دستورياً كنهج أردني .. ولكن , هذا النهج الذي نوه له رأس النظام , قد تم اغتياله في عقود سابقة من قبل مجموعة متنفذه تسيطر على القرار التنفيذي الحكومي , فكانت تسعى وبشتى الوسائل لمنع إحياء نقابة المعلمين , وإبقاء تحييدهم عن دورهم الوطني والقومي , الذي يقودنا , إلى وجود نوايا خفية غير معلنة باتجاه وطننا وأجياله المستقبلية , وإبقاء الفجوة والهوة بين الإنسان والأرض , وإلغاء الانتماء لتراب هذا الوطن , بقطع التوارث التاريخي لأجيال متعاقبة من الأحرار , الذين بنو هذا الوطن عبر مئات السنين , لنيتهم إخفاء هويته الوطنية التقدمية والقومية .
يشير رأس النظام إلى دور المعلم في بناء الشخصية الأردنية الايجابية وتدعيم الهوية الوطنية الجامعة , فأين القرار التنفيذي من كلام رأس النظام , العمل الميداني للمعلم لا زال أسير القرار العُرفي الاستبدادي المستعلي , الذي لا يعترف للمعلم , بأنه القائد الميداني في النظام التربوي , حيث لا زالت الحالة الإبداعية لدى المعلم مـُقيدة والتي يـُنتظر لها التحرر , ومن بعد , العمل في الفضاء الرحب الذي أشار إليه رأس النظام , بممارسة الثقافة الديمقراطية , الغائبة عن القرار التنفيذي الحكومي , الذي لا زال ينظـُر للمعلم على أنه تابع ومنفّذ لتعليمات وخطط تربوية مستوردة , بعيدة عن تربيتنا وهويتنا الوطنية الجامعة للأردنيين , مُـحيدة تاريخنا الوطني الحقيقي كمرجعية تربوية , ومـُغفِلة النهج التقدمي الوطني , في تغييب الشخصيات الوطنية الأردنية التي لعبت دوراً بارزاً في تكوين الوطن وبناءه ..
نعم , هي الطبقة الكمبرادورية التوطينية , المسيطرة على القرار التنفيذي في حكوماتنا المتعاقبة , المتآمرة على الوطن الأردني وهويته وتاريخه , لتخلق أجيالاً لا تنتمي للوطن , ولا تعرف شيئاً عن تاريخه المرتبط بالإنسان الأردني , فالهوية الوطنية الجامعة للأردنيين , لا بد لها من الإيمان , بأن بقائها في حاضرها ومستقبلها , مرتبط بنهج تحرري مقاوم للفكر الصهيو-أمريكي التوطيني , ورافض لفكرة الوطن البديل , والعمل على إيجاد كل الوسائل والأدوات , اللازمة في محاربتها ومقاومتها , والإبقاء على الفكرة التي لا بد , وهي أن إسرائيل هي جسم غريب على أمتنا العربية , وهي العدو لوجودنا وكياناتنا الوطنية العربية والخطر القائم على هويتنا الوطنية الأردنية والفلسطينية , والمانع لحلم الدولة العربية الموحدة .
نعم هي نقابة المعلمين , الفكر الجمعي لهذه الفئة من مجتمعنا الأردني , والدور القادم , سواء على الصعيد المعيشي , بتحسين أحوال المعلمين المالية والخدماتية الاجتماعية , أو على الصعيد التربوي في تطوير مهنة التعليم , وأدواتها من خطط ودراسات وبرامج تعليمية , أو مناهج , أو بنية تحتية لازمة للحصول على أفضل النتائج , أو على الصعيد الوطني في ارتباطها بالقضايا الوطنية , وخاصة الإصلاح الشامل في كافة المجالات , السياسية والاقتصادية والاجتماعية , وتأتي الأهمية لدور المعلم الطليعي , انه القائد الفعلي والحقيقي ميدانياً ليس فقط في التربية , وإنما في مجتمعه الذي ينتمي إليه..
نعم نقابة المعلمين ودورها الوطني المنُـتظر في المستقبل القريب , والذي يتطلب من المعلمين الوعي والإدراك للضرورة المرحلية , في إيصال من هم أهلٌ لتحمل المسؤولية , والقادرين على التعبير الصادق عن الفكر الجمعي للمعلمين وحسهم الوطني المسؤول .. نعم الكـُره الآن في ملعب المعلمين , فالنظرة لهم قد اختلفت بكل حساباتها , وعلى كل مستويات الإدارة الأردنية وفي مقدمتها رأس النظام الأردني .