بقلم د المخرج محمد الجبور - لا يختلف اثنان من الأسوياء، على أن أهم أسباب تردي الأوضاع وفشل خطط ومشروعات التنمية والتحديث والنهوض إنما يعود إلى وجود نخبة انتهازية جاهلة، ليس لديها ثقافة ولا علم ولا دين ولا وطنية ولا ضمير، وإنما هي مجموعات من المنتفعين البائعين لضمائرهم، والذين يبحثون عن مكاسب شخصية، ومناصب، وشهرة، وأموال، ويخدمون أساسًا السلطة ويدورون معها حيث دارت، لا يهمهم مصلحة البلد ولا المواطنين في صغير أو كبير وإن تشدقوا بترديد اسمها كثيرًا وعبروا عن حبهم لها طول الوقت هناك عدد من النخب بقدر فروع النشاط الموجودة، وتدعى النخبة التي تمارس نفوذًا في أية مجموعة ب: النخبة الاجتماعية، النخبة الدينية، النخبة السياسية، النخبة الاقتصادية، النخبة الثقافية، النخبة الحزبية. ويقصد بالنخبة أيضًا الطبقة العليا من المجتمع، ذات الاهتمام والتأثير الاجتماعي الأعلى في هذا المجتمع والمفترض أن النخبة حصلت على مكانتها في المجتمع، نتيجة حيازة أعضائها شيئًا ما يقدّره المجتمع، كالثروة والمكانة العلمية والثقافية والفكرية والذكاء والقدرة على القيادة الخ. إلا إن الفضل في قوة وسيطرة النخبة يعود بالدرجة الأولى إلى ما لديها من قدرات تنظيمية كبيرة، أي على قدرتها على التماسك في مواجهة القوى الأخرى في المجتمع ولكن كان دائماً هناك شريحتان رئيستان للمنخرطين في الفساد وتضم الفاسدين، سواء من المسؤولين أنفسهم أو المحيطين بهم والمنتفعين من ورائهم، وشبكات محدودة العدد عميقة النفوذ والسطوة في مختلف المؤسّسات والقطاعات المهمة والحيوية. ولهذه الشريحة أذرع تمتد في أعماق مفاصل الدولة. وتلك الأذرع هي التي يتم بترها حال انكشاف الفساد، سواء على أيدي شرفاء غير فاسدين أو تصفيةً لحسابات بين الكبار. أما الشريحة الدنيا فتضم السواد الأعظم من الفاسدين، وهم الأكثر عدداً، وإن كانوا ليسوا بالضرورة الأشد فساداً. وهي تبدأ من الإدارة الوسطى نزولاً حتى عمّال الخدمات والمراسلة في المؤسسات الحكومية. ويمكن لأي مواطن تعامل مع جهات حكومية أن يعدّد كمّاً هائلا من مظاهر الفساد والتربّح والرشوة. في مختلف القطاعات والوزارات والهيئات الحكومية العامة والخدمية. محصلة ذلك كله أن الفساد لم يعد استثناء، ولا خروجاً على العرف السائد في حالات معينة، وإنما صار أسلوب حياة، فكانت النتيجة الماثلة حالياً أن النخب أصبحت تتبلور من خلال قواعد وآليات هي نفسها موبوءة بالفساد. وأصبح تجنيد أعضاء تلك النخب وفرزها تجسيداً إضافياً للفساد المستشري ، فضلاً بالطبع عن ظهور من جرى تلميعهم. أما عن الفساد في الإعلام، سواء التليفزيون أو الصحافة المكتوبة، فحدّث ولا حرج. وهكذا لم يعد الفساد يصيب أفراداً من النخب ، بل صارت النخبة نفسها تتشكّل بموجب الفساد. وبالتالي، لم يعد ثمة فاسدون داخل النخبة، وإنما صارت تتشكّل منهم حصراً، بالطبع عدا استثناءات تؤكّد القاعدة. وعندما يتغلغل الفساد في المجتمع حتى النخاع، لا بد من أن تخرج منه نخب تشبهه، ولا مكان للنزيه في تلك الدائرة الفاسدة المغلقة. وهي معادلة منطقية، فالنخب جسر تواصل متبادل بين السلطة والمجتمع، وحين يكون كلاهما فاسدين، لا يمكن للجسر إلا أن يفسد مثلهما ليليق بهما