زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - حسنا سنقولها اليوم بصراحة أكبر من أي وقت مضى، بعد المشهد الذي عايشناه كأردنيين في عرس ولي العهد، وهو مشهد يرتبط بدلالات عميقة ومؤكدة باتت اليوم واقعا وإن حاول البعض الالتفاف عليها.
لا خير فينا إطلاقا إذا لم نقلها الآن وبنفس العمق ومن باب إشعال الشموع بدلا من لعن الظلام، ولا خير فيهم ـ ونقصد علية القوم ـ إذا لم يسمعوها.
قابلت شخصيا وقبل العرس طبعا العديد من الشخصيات الوطنية التي نقلت لي وتلك «أمانة» أنقلها للناس اليوم تلك القاعدة التي وردت على لسان ولي العهد نفسه أثناء محاولات الاشتباك وتلمس الاحتياجات والمشكلات الوطنية حيث درج الأمير الشاب وبحيوية متزنة على القول بأن «ما ينبغي فعله الآن هو التركيز على إنجاز ما يمكن إنجازه وترك الصعب قليلا إلى مرحلة متقدمة».
نصفق لهذا القول المنطقي العميق بدلا من الاسترسال في الجدال العقيم. تعالوا نتحدث بصراحة عن تأريخ لمرحلة جديدة في مرحلة ما بعد العرس، لكي نسأل وبصورة علنية حسنا ما هو الممكن إنجازه الآن؟
نقبل فكرة كمواطنين ومراقبين ونشطاء سياسيين وإعلاميين فكرة تأجيل غير الممكن الآن أو الصعب أو المعقد قليلا إلى مرحلة متقدمة لكن لابد من تعريف ما هو الممكن الآن.
وهذا المقال سأحاول تخصيصه للإجابة على هذا السؤال وما أقترحه أن نتقدم معا لتحديد ما هو الممكن الآن وليس غدا وبقرار سياسي بسيط، لا يحتاج للكثير من الفلسفة ولا التفكير ولا التردد ولا التهور، لأن العرس أثبت لنا المرض العضال وهو «أزمة قرار» وليس إدارة.
في الممكن اليوم ومن باب الوصفات تشكيل مجلس الأمن القومي الذي دخل إلى الواقع السياسي ولم يعمل بعد بموجب تعديل دستوري. فورا بعد تشكيل مجلس الأمن القومي تنقل هواجس ومصالح واحتياجات وحتى أجندة الهيكل الأمني في البلاد له وعبره.
هل هذا ممكن؟ طبعا هذا ممكن وقد يكون ضروريا الآن، ولا يحتاج إلى أكثر من قرار ثم نتوكل على الله.
ممكن جدا وبسرعة اتخاذ قرار لأول مرة بتنظيم انتخابات نظيفة جدا حتى لا نقول نزيهة جدا.
ونتحدث هنا عن الانتخابات المقبلة في عام 2024 ولدينا جميعا كأردنيين فائض من الوقت مدته أكثر من عام بقليل، حتى نستعد لانتخابات نجرب فيها فكرة الانتخابات النظيفة والتي يستفيد منها الناس والنظام والدولة معا بكل الأحوال.
بين ممكنات اليوم وبقرار مرجعي ومركزي وقف كل المزاودات على المواطنين البسطاء وعلى الشعب الأردني ومكوناته الاجتماعية، خصوصا في الجزئية المتعلقة بادعاء الولاء أكثر من البسطاء والتشكيك بالعامة ووقف المزاودات على المواطن، قد تكون خطوة ضرورية في هذه المرحلة.
ممكن طبعا دوما وفورا التخلص من فكرة أن الإدارة الأردنية «حظها طايح» وأنها منهارة وليس متراجعة فقط، ولا يمكن إصلاحها وبدلا من ممارسة نمط من الفصام في الحديث عن الإصلاح الإداري والادعاء بنفس الوقت بأن إنجازه غير ممكن، يمكن أن نذهب في اتجاه جلسات عصف ذهني مباشرة وصريحة لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
وبالقوة الإدارية الكامنة المدهشة التي صدمتنا كأردنيين مؤخرا بترتيبات منضبطة جدا في عرس ولي العهد تؤشر على مكامن القوة، فالفكرة كانت أردنية والتنفيذ بسواعد أردنية.
وهذا يعني أن الكوادر موجودة والأفكار موجودة وستنتج في حالة إطلاق حريتها في الإبداع والتخيل،
وبالتالي يمكن طبعا وبالتأكيد بدلا من ممارسة حالة لطم وطنية العمل على إنقاذ ما تبقى من الإدارة بالعودة وفورا لاختيار الكفاءات بعيدا عن المعلبات الكلاسيكية التي تحاول إرضاء الجميع لكنها تغضب الشعب برمته بتراجع الأداء وللتوقف أيضا الاستعانة بـ«من لا يحترمون ذكاء الشعب».
ومن ضمن ما يمكن طبعا نفض الغبار عن تلك الوثائق أو بعض تلك الوثائق الاستراتيجية التي وضعها مستشارون وظيفتهم الترويج على رف الاحتياط، ونتحدث هنا حصرا عن وثائق فنية الطابع واحدة منها تتعلق بإصلاح المشهد الإعلامي الوطني، وأخرى تتعلق بالأمن الغذائي والوطني والتصنيع الغذائي، والثالثة يعرفها أصحابها مرتبطة بكيفية حل مشكلة العلاج والأدوية وأسعارهما في البلاد، حيث خبرات أردنية خالصة ونقية ومخلصة لله والوطن وللمؤسسة، وضعت أفكارا ومقترحات ولا تزال تلك الأفكار والمقترحات في الثلاجة ويمكن بقرار إداري بسيط نفض الغبار عنها.
يمكن أيضا وفورا التوقف عن التدخل بالأحزاب السياسية والتوقف عن التدخل بالمؤسسات الصحافية ووقف حالة تجريف المؤسسات النقابية.
النقابات والأحزاب هي بيوت الخبرة ومحصلة تشابكها ضمن عملية منضبطة بموجب مسطرة قانونية، يستفيد منها الوطن والدولة والمواطن معا، وتضاف لها الصحافة الحرة المستقلة المهنية.
باختصار هذه الخطوات مطلوبة الآن وبإلحاح.
ومن غير المنطقي ولا المعقول ولا المقبول أن يخرج علينا هاتف ليقول إنها خطوات غير ممكنة أو صعبة أو يمكن تأجيلها. هذه الخطوات ممكنة جدا لا بل ممكنة للغاية وبسرعة وأمس قبل اليوم أو غدا.
«القدس العربي»