زاد الاردن الاخباري -
كتب : المحامي الدكتور صدام أبو عزام - بعد زوال المفاعيل القانونية لقانون الدفاع وصدور الإرادة الملكية بوقف العمل بمضمونه، فإن الآثار القانونية التي ترتيب على هذا القانون والأوامر الصادرة بمقتضاه سوف تبقى فترة من الزمن لضمان استقرار المراكز القانونية التي تأثرت من تلك الأوامر، حيث صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء رقم 9060 ، المتضمن وعملاً بالمادة 124 من الدستور والفقرتين ( أ و ب ) من المادة 2 من قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 إعلان العمل بقانون الدفاع رقم 13 لسنة في جميع أنحاء المملكة نظراً لإنتشار وباء الكورونا ولمجابهة تداعياته على الصعيد الوطني وحماية الصحة العامة.
وتنفيذا لذلك اصدر رئيس الوزراء امر الدفاع رقم 5 لسنة 2020 استناداً لقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 متضمنا وقف سريان جميع المدد والمواعيد المنصوص عليها في التشريعات النافذة سواء أكانت مدد تقادم أو سقوط أو عدم سماع دعوى أو مدداً لاتخاذ أي إجراء من إجراءات التقاضي لدى جميع أنواع المحاكم في المملكة ودوائر النيابة العامة وهيئات التحكيم ودوائر التنفيذ وسلطة الأجور وأي مجلس من مجالس التوفيق والوساطة والتأديب وغيرها ممن يمارس اختصاصات مشابهة لاختصاصات هذه المجالس ولو كانت هذه المدد من المدد التي لا يسري عليها الوقف.
كما أشار أمر الدفاع إلى وقف سريان جميع المدد والمواعيد اللازمة لاتخاذ أي إجراء لدى أي وزارة أو دائرة حكومية أو مؤسسة رسمية عامة أو مؤسسة عامة بموجب أي تشريع نافذ بما في ذلك المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ودائرة الأراضي والمساحة ودائرة مراقبة الشركات ودائرة الجمارك وأمانة عمان الكبرى والبلديات، وبما فيها المدد المقررة للوكالات غير القابلة للعزل، وكذلك وقف سريان المدد المقررة لتقديم إقرارات ضريبة المبيعات العامة والخاصة، والتي يتوجب تقديمها خلال العطلة الرسمية المقررة أثناء فترة العمل بقانون الدفاع رقم (13) لسنة 199، واستثنى من ذلك المدد والمواعيد المقررة للوفاء بالالتزامات المالية المستحقة لدوائر الدولة والمؤسسات الرسمية العامة والمؤسسات العامة.
وفي اجتهاد قضائي لمحكمة التمييز الموقرة حسمت الجدل القانوني والقضائي حول سريان مدد التقادم الواردة في أمر الدفاع رقم 5 حيث أشارت إلى ان التقادم يسري على المدد الواردة حصراً في أمر الدفاع وليس على كافة المدد الواردة في التشريعات الوطنية وحسناً فعلت محكمة التمييز بذلك حيث ان هذا الاجتهاد يتفق مع الغاية والحكمة التشريعية من قانون الدفاع والتي خولت صلاحيات لرئيس الوزراء بوقف العمل في التشريعات أو نصوص في التشريعات التي تتعارض مع الحالة الوبائية لضمان ان تكون هذه الإجراءات والتدابير تتوافق مع الغاية من تفعيل قانون الدفاع.
حيث أشارت محكمة التمييز في قرارها جزاء رقم 3440 / 2022 إلى " وبهذا الخصوص نجد أن النقطة مدار الخلاف والبحث تنحصر في تحديد ما إذا كانت كلمة تقادم الواردة في أمر الدفاع رقم 5 لسنة 2020 تاريخ 30 / 3 / 2020 تشمل وتســـــــــــــــري على تقادم العقوبة المحكوم بها أم لا ؟ وهنا نجد أنه لا خلاف لدى المحاكم في تفسير أحكام المادة (349/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية فيما يتعلق بتقادم العقوبة إنما الأمر يتعلق فقط بأحكام أمر الدفاع المشار إليه وبالتالي ينحصر البحث لحل النقطة مدار البحث في تفسير العبارات والأحكام الواردة في أمر الدفاع المشار إليه وتحديد ما إذا كان الوقف الوارد فيه يسري على العقوبة أم لا.
وبالتدقيق في النص المشار إليه نجد أنه أوقف سريان جميع المدد والمواعيد المنصوص عليهــــــــــــــــا في التشريعات النافذة باســـــــــــتعماله عبارة سواءً أكانت مدد تقادم أو سقوط أو عدم سماع دعوى بمعنى أن الجزء الأول ينصرف بكامله على الدعوى وفي نطاق اختصاصنا المقصود هو الدعوى الجزائية وفي الجزء الثاني يتابع أمر الدفاع بقوله أو مدداً لاتخاذ أي إجراء من إجراءات التقاضي.
كل ذلك يعني أن أمر الدفاع لم يشمل العقوبة المحكوم بها ولو أراد ذلك لنص عليه كما نص على الدعوى والإجراءات القضائية وهذا يفهم منه أنه مقصود لذاته فأمر الدفاع جاءت مبرراته لحماية حقوق الأفراد في ممارسة حقوقهم القانونية سواءً في تقديم الدعاوى أو الاعتراضات أو البينات أو الطعون في الأحكام والقرارات الصادرة بحقهم لأن ذلك كله محكوم بمدد نص عليها القانون وهم بحكم حالة الدفاع ومنع التجول لا يستطيعون ممارسة هذه الحقوق ولا يجوز التوسع في تفسير أمر الدفاع مدار البحث ليمس التفسير حقوق الأفراد التي جاء أمر الدفاع أصلاً لحمايتها ولا يتصور أن أمر الدفاع ينسحب على وقف المدد فيما يتعلق بالعقوبة والدليل على ذلك أن تأجيل تنفيذ بعض العقوبات بحق الأفراد قد جاء على شكل تعليمات وإجراءات ولم يكن استناداً إلى أمر الدفاع مدار البحث وحيث إن محكمة الجنايات الكبرى قد خلصت إلى خلاف ما بيناه وردت طلب إسقاط العقوبة للتقادم بسبب المدة الواردة في أمر الدفاع أعلاه فإنها بذلك قد أخطأت بتطبيق القانون وتفسيره مما يجعل سبب الطعن وارداً على قرارها ويتعين نقض".
وهذا يتوافق مع أصول وصحيح قواعد التفسير والتي تقضي بعدم الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء هي استثناء على الأصل العام وان هذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه لضمان عدم الإخلال بالمراكز القانونية أو الخروج عن الفلسفة والغاية التشريعية من تفعيل أمر الدفاع. ولعل ذلك يتفق مع مضمون الإرادة الملكية السامية والتي أشارت إلى ضرورة تطبيق أحكام قانون الدفاع في أضيق الحالات والظروف، حيث ورد" وهنا أوجه الحكومة بأن يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه، في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية، ويحافظ عليها، ويحمي الحريات العامة والحق في التعبير، التي كفلها الدستور وفي إطار القوانين العادية النافذة، وكذلك ضمان احترام الملكيات الخاصة سواء أكانت عقارا أو أموالا منقولة وغير منقولة. فالهدف من تفعيل هذا القانون الاستثنائي، هو توفير أداة ووسيلة إضافية لحماية الصحة العامة والحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، والارتقاء بالأداء ورفع مستوى التنسيق بين الجميع، لمواجهة هذا الوباء.
كما يؤكد ذلك ما أجابت عليه الحكومة وإن ما يؤيد ذلك كتاب رئيس الوزراء رقم 51 / 12 / 4 / 1 / 50072 تاريخ 24 / 7 / 2022 والموجه إلى معالي وزير الشؤون السياسية والبرلمانية والمتضمن كتاب عطوفة رئيس ديوان التشريع والرأي رقم د ت 1 / 1 / م / 113 تاريخ 17 / 7 / 2022 والذي جاء رداً على كتاب معالي رئيس مجلس النواب. حيث خلص رأي ديوان التشريع والرأي إلى " ان أمر الدفاع رقم 5 لسنة 2020 قد أوقف سريان جميع المدد والمواعيد في الحالات المحددة حصراً والمنصوص عليها في أمر الدفاع ذاته وبالتالي فانه لا يشمل كافة المدد الحتمية المنصوص عليها في التشريعات النافذة ".
وعليه، فإن هذا القرار يشكل اجتهاداً قضائياً صادر من أعلى محكمة نظامية في الأردن في تطبيق وتفسير أوامر الدفاع المستندة إلى قانون الدفاع بما يضمن استقرار المراكز القانونية ومبدأ الأمن القانوني.