أ.د رشيد عبّاس - هناك تغيير واضح على أمكنة ومسارح الجرائم, ودليل ذلك انتشار ما يسمى بالجرائم الالكترونية ومسارحها في مواقع التواصل الاجتماعي.. جريمتنا اليوم مسرحها كان على احد صفحات دفتر الرياضيات المسطّر بخطوط مستقيمة افقياً.. كي يسير كل من المعلم والطالب وربما الأهل على تلك الخطوط بكل حذر ودقة واتزان.
في عام 1996م كنت مشرفاً لمبحث الرياضيات في وزارة التربية والتعليم, وكان من أدواري ومهامي الإشرافية زيارة المعلمين ذكوراً وإناث داخل الغرف الصفية, والعمل على حضور الحصص وتتبع دفاتر الرياضيات للطلبة من حيث صحة الحلول ودقتها.. كون دفتر الرياضيات بالذات يعكس أسلوب وطريقة المعلم في التدريس, ويعكس أيضاً مدى اهتمام الطالب والمعلم والأهل معا كشركاء في إنجاز الواجب البيتي, وكيفية تصحيح الإجابات الخاطئة من قبل المعلم.
في نهاية احدى حصص الرياضيات عند احد المعلمين في احدى مدارس العاصمة عمان قمتُ بتتبع دفتر احد الطلبة, لأجد أن هناك جريمة ارتكبت على صفحات هذا الدفتر, وكلما فتحتُ صفحة جديدة كنت اجد اثاراً عميقة لتلك الجريمة, وأن اللون (الاحمر) يمتد من أسفل الصفحة لأعلاها, ويغطي اجزاء كثيرة من هذه المعالم الكارثية.
لقد قتل ذلك المعلم مستقبل هذا الطالب, وقتل أيضاُ جميع تطلعات أهل هذا الطالب, ومنح نظام التعليم بالمجان نظرية تدعى نظرية الخداع (الهيلمة) تلك التي عجز كثير من علماء النفس عن تفسيرها وتحديد معالمها حتى اللحظة.
هذا مثال واحد على جريمة واحدة, وهناك مئات بل آلاف الأمثلة على مثل هذه الجرائم الميدانية في ميداننا التربوي وعلى دفاتر الرياضيات للطلبة بالذات, لقد باتت دفاتر الطلبة للأسف الشديد مسرحا للجرائم التربوية التي تُرتكب كل يوم دون حسيب أو رقيب, معتقداُ أن دفاتر الرياضيات للطلبة هذه الايام فيها جميع مأسي نظامنا التعليمي.
وبعد..
الجريمة يا سادة يا كرام كانت تتمثل فقط في أن ذلك المعلم كان يضع إشارة(صح) بالقلم الاحمر من أسفل الصفحة لأعلاها على الحلول (الخاطئة) للواجب البيتي, ويلحق كتابة هذا الصح بعبارة شوهد / أحسنت, والطالب والأهل بدورهم يطمئنوا أن تلك الحلول صحيحة 100%, وأن الطالب بعد ذلك وعند الامتحانات اليومية والنهائية يقوم بقراءة تلك الحلول الخاطئة على اعتبار انها حلول صحيحة مع انها جميعها خاطئة.. هذا إذا ما وقع الدفتر بيد احد الطلبة الجدد المنتقلين إلى الصف الاعلى.. اية خِداع واية هيلمة تربوية هذا.. للأسف الشديد الأمثلة على هذه (الهيلمات) كثير وكثيرة جداً في مدارسنا, وربما ينسحب ذلك على دفاتر العلوم واللغة الانجليزية, ودفاتر الإنشاء/ التعبير إن بقي هناك دفاتر تدعى إنشاء/ تعبير تُذكر.
نظامنا التعليمي يحتاج إلى نخب تربوية وليست نخب شعبوية.
كفانا (هيلمات)..