كان والدي رحمه الله قد عمل في مطلع خمسينات القرن الماضي في سلك الشرطة بمدينة نابلس وكان يحدثني عن أهل المدينة بأنهم طيبون وأغلبهم تجار وحرفيون ، ثم يتطرّق الى اليهود السامريين المقيمين في نابلس ويقول عنهم بأنهم مسالمون ولطيفون وليست لهم علاقة بالسياسة .
وأثناء زيارتي الأخيرة مع وفد سياحي لفلسطين وبالذات لمدينة نابلس شاهدت عدداً من ( السمرة ) في شارع النجاح يجلسون أمام دكاكينهم في المدينة القديمة ، فطلبت من الدليل السياحي المقدسي المرافق لنا التوجه الى جبل الطور التابع لنابلس والذي يسمى بجبل جرزيم ، حيث تتخذ الطائفة السامرية منه مكان إقامة دائمة لهم ، وهناك التقينا في السوق أشخاصا من أهل الطائفة يتحدثون اللغة العربية بطلاقة ، وحينما عرفونا كأردنيين صاروا يترحمون على جلالة المغفور له الملك الحسين الذي أعطى توجيهاته بحمايتهم والحفاظ عليهم كمواطنين نابلسيين ، كما التقيت زعيمهم حسني السامري ( 75 عاما ) وطلبت منه أن يحدثنا عن طائفته التي تعدّ أصغر طائفة دينية في العالم فقال :
عددنا الإجمالي حوالى ( 800 ) نسمة ونحن جزء لا يتجزأ من الشعب العربي ، وأنا أردني وأحمل الجواز الأردني والجواز الفلسطيني ، وأشكر العرب في فلسطين الذين كانوا دوما وما زالوا داعمين لنا ، ونحن في المقابل لا نتوانى عن مشاركتهم في أعيادهم ، وهناك فجوة كبيرة بيننا وبين اليهود تنحصر بخلافات كثيرة في العقيدة .
وحسب زعيم الطائفة يعتنق بعض أبناء الأسر السامرية الإسلام ، كما يحمل السامريون الجنسيات الأردنية والفلسطينية التي يعتزون بها ، بالإضافة الى الجنسية الاسرائيلية التي حكمتهم لها ظروفهم الخاصة ، وهم بالطبع لا يخدمون في الجيش الاسرائيلي ولا يدرسون في الجامعات الاسرائيلية ، بل يتلقى طلبتهم التعليم في مدارس مدينة نابلس وفي جامعة النجاح الوطنية ، وحينما سألته عن موقفهم من الصراع العربي الاسرائيلي قال : الحرب خسارة على الجميع وعدم قيام دولة فلسطينية من شأنه أن يهدد السلام في العالم ، وأكد أنه وطائفته من أشدّ الداعين الى اقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية .
لدى الكاهن حسني الذي ظننته في البداية أردنياً وهو يرتدي ثوبا عربيا وشماغاً أحمراً إبنة اسمها غالية ، تبلغ الخامسة والثلاثين من العمر وتقول عن نفسها ، أنا سامرية الدين ، أردنية الجنسية ، أعيش في نابلس ولديّ صديقات مسلمات ومسيحيات ، وأذهب الى هذه المدينة كمواطنة عربية ، فهي بلدي ولا أشعر فيها بالغربة
وفي موقع آخر التقيت صحفية سامرية تعمل في احدى دوائر السلطة الفلسطينية الى جانب العديد من بنات الطائفة اسمها بدوية ، تقول بأنها تكرّس كتاباتها خدمة للقضية الفلسطينية وتكتب عن هموم الشعب الفلسطيني التي هي جزء منه وتنتمي اليه ، ولديها صديقات وأصدقاء من العرب ، وتعتبرهم أخوة لها حيث كانوا سنداً لها في مواقف صعبة واجهتها وأضافت : نحن طائفة دينية مستقلة معادية لإسرائيل ، ولسنا يهوداً بل نحن أقرب الى العرب من اليهود ، ولا نعترف بهيكل سليمان الذي تزعم اسرائيل أنه مدفون تحت الأقصى .. وقال سامري آخر وهو صاحب بقالة في جرزيم ، الطائفة السامرية مستهدفة من قبل الاحتلال الاسرائيلي ، والعداء بين السامريين واسرائيل يفوق العداء العربي الإسرائيلي ، وسبب ذلك هو تملك الطائفة السامرية لتوراة مغايرة لتوراتهم وأضاف : لم تكن هناك علاقة دينية أو اجتماعية بين اليهود والسامريين ، حتى أن اليهود المتدينين في اسرائيل يغادرون الحافلة اذا علموا أن سامرياً واحداً يركب الباص ، لأنه بنظرهم انسان نجس ولا يجوز مخالطته في أي مكان .
ومن أهم ما يتمسك به السامريون في حياتهم هو الحفاظ على التراث السامري ومنع الزواج من خارج الطائفة ، إلا أن عددا من شبابهم تزوجوا من بنات فلسطينيات ، وقد سبق أن تبرعت جهة عربية بتكاليف هذه الأعراس .
كما يشتهر ( السمرة ) اضافة الى مزاولتهم التجارة بفك السحر وقراءة الطالع ، وهم يمتلكون كتباً فلكية غير موجودة في العالم على حد رأيهم ، ودورهم في السحر كما يقولون يركز على التوفيق وليس على التفريق ، كما أن دراسة الطرق الفلكية تستغرق عندهم 18 عاما لمن يستعد من أبناء الطائفة التفرغ لها ، وهي مهنة تنتقل بالتوارث داخل أسرة واحدة ومن شخص الى آخر ، بعد أن يُقسم الساحر الجديد اليمين بعدم افشاء الأسرار لعامة الناس .
وقبل مغادرتنا الموقع كانت أحدى عضوات فريقنا السياحي التي تجاوز عمرها الثلاثين قد توارت عن الأنظار ، حيث استغلت انشغالنا مع الكاهن السامري لتقضي ساعة كاملة في خلوة مع الساحر الذي وعدها بحلّ عقدتها بعد رجوعه الى كتب الفلك ، حيث سيرى طالعها من خلال اسمها واسم والدتها وتاريخ ولادتها والله أعلم .
وختاما ، فالحديث عن تفاصيل رحلتي لعموم الاراضي الفلسطينية تحتاج الى حلقات عديدة ، لأنها تبقى رحلة استكشافية مثيرة ، حيث شاهدت كثيرا من الأمور المؤسفة التي أخجل نشرها ، وخاصة ما يتعلق بالتعايش الواسع في مناطق 48 في مختلف الأمور الحياتية والعملية التي يرفضها كل عربي حر وشريف ، مع العلم أن نحو مليون و650 ألف من عرب 48 يحملون الجنسية الإسرائيلية ، كما عرفتُ للأسف أن عدداً من الشباب العرب الذين يعملون في المصالح اليهودية يتوقون للحصول على الجنسية الاسرائيلية أو الإقامة داخل الكيان المحتل ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .