زاد الاردن الاخباري -
يعاني المئات من الأطباء المتدربين "الامتياز" أكانوا في وزارة الصحة أو في المستشفيات الخاصة أو حتى في الخدمات الطبية الملكية، من ظروف عملهم وبخاصة ما يتعلق بالأجور والحمايات الاجتماعية.
إذ يعملون إما بلا أجر أو بأجل أقل من الحد الأدنى للأجور المُحدد من الحكومة والبالغ 260 دينارا ولا يتم شمولهم بالضمان الاجتماعي وإنما فقط بالتأمين الصحي، بحجة أنهم أطباء متدربون وليسوا عاملين.
وهو ما يستهجنه هؤلاء الأطباء خصوصا وأنهم يعملون لساعات محددة كغيرهم من العاملين في المستشفيات، ويتم تكليفهم بمهام وواجبات عديدة أثناء عملهم.
وتتنوع واجبات هؤلاء الأطباء، وفق تعليمات تدريب وتوزيع أطباء الامتياز الصادرة عن المجلس الطبي الأردني، بين واجبات فنية وإدارية وتعليمية، وتكون مدة تدريبهم، وفق التعليمات، 11 شهرا ليتم تأهيلهم بعد ذلك إلى الطب العام.
وتتوزع مدة تدريبهم، وفق التعليمات، على النحو التالي: ثلاثة أشهر في الأمراض الباطنية العامة، ثلاثة أشهر في الجراحة العامة، شهران في أمراض النساء والتوليد، وشهر واحد في الطوارئ، أما الشهر الثاني عشر فيكون في الصحة العامة أو اختياريا.
مجد (اسم مستعار)، وهو أحد أطباء الامتياز المتدربين في وزارة الصحة، يقول إنهم لا يتقاضون أجورا شهرية لقاء عملهم، وإنما مكافآت مالية شهرية تُخصصها الوزارة لهم وتبلغ 94 دينارا فقط.
إلا أن الوزارة لا تلتزم بصرف هذه المكافآت، وفق مجد، الذي يبين أن مدة تدريبه شارفت على الانتهاء ولم يُصرف له ولزملائه الذين يعملون في نفس المستشفى سوى مكافآت أربعة أشهر فقط.
ويرى مجد أن آلية صرف المكافآت تعود لمزاجية الوزارة، فهي تصرف في أشهر، وأشهر لا تصرف.
ويُشير إلى أنهم غير قادرين على المطالبة بهذه المكافآت، بسبب أن الوزارة تُوقّعهم على "ورقة" عند بداية تدريبهم تتضمن عدم أحقيتهم في المطالبة بالمكافآت المالية طيلة مدة تدريبهم.
ويؤكد مجد أن أي طبيب متدرب يرفض التوقيع على هذه الورقة لن تقبل الوزارة بأن يتدرب لديها، ما يضطرهم إلى التوقيع حتى وإن عملوا بلا أجر.
وتؤكد طبيبة متدربة أخرى في الوزارة ما ذهب إليه مجد من حيث عدم التزام الوزارة بصرف المكافآت لهم وتوقيعهم على الورقة التي تُسقط أحقيتهم في المطالبات المالية، وتبين أنه تبقّى على انتهاء مدة تدريبها شهران ولم يُصرف لها سوى مكافآت ثلاثة أشهر فقط.
وترى أن هذه المكافآت متدنية أصلا وبالكاد تكفيهم لتغطية تكاليف المواصلات لتنقلهم من وإلى مكان العمل، وتوضح بالقول: "أنا أسكن بعيدا عن المستشفى الذي أعمل فيه وأدفع كل يوم ما يقارب الـ7 دنانير على المواصلات".
أما حسام (اسم مستعار أيضا)، فيعمل طبيبا متدربا في مستشفى خاص، ويقول إنه وزملاءه المتدربين لا يتقاضون أي أجر لقاء عملهم، رغم تكليفهم بمهام عديدة كغيرهم من العاملين في المستشفى.
ويبين حسام أن بعض المستشفيات الخاصة ومنها المستشفى الذي يعمل فيه لا تدفع أي أجر للأطباء المتدربين لقاء عملهم، وبعضها الآخر يدفع أجورا لكنها متدنية وتقل عن الحد الأدنى للأجور.
أين المشكلة؟
رئيس لجنة الأطباء الشباب وأطباء الامتياز في نقابة الأطباء الأردنية الدكتور طارق الخطيب يقول إن المشكلة تكمن في عدم وجود أي تشريع يُلزم المستشفيات بإعطاء أجور لهؤلاء الأطباء.
ويُرجع الخطيب عدم وجود هذا النوع من التشريع إلى اعتبار هؤلاء الأطباء متدربين وليسوا موظفين مثبتين، على الرغم من أن عددهم ليس قليلا.
ويبين أن عددهم يصل إلى نحو 5500 طبيبا وطبيبة يعملون في المستشفيات المعتمدة من قبل المجلس الطبي، وهي مستشفيات وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية ومستشفيان جامعيان ومركز الحسين للسرطان، إضافة إلى ستة مستشفيات خاصة.
ويوضح أن بعض المستشفيات الخاصة تدفع أجورا للأطباء المتدربين لديها، لكنها تكاد لا تُجاوز الـ200 دينار شهريا، وبعضها الآخر لا يدفع أصلا.
أما الأطباء المتدربين في الخدمات الطبية الملكية، فلا يتقاضون أي أجر مقابل عملهم، وفق الخطيب الذي يؤكد أن النقابة تعمل منذ شهور عديدة من خلال لجنة أطباء الامتياز على حل القضية في جميع المستشفيات.
ويوضح أن التعليمات الخاصة بهؤلاء الأطباء الصادرة عن المجلس الطبي لا تتضمن حقوقهم، وإنما فقط واجباتهم وبعض الأمور الإجرائية.
ويؤكد أن اللجنة تحاول بالتنسيق مع المجلس الطبي والوزارة تعديل هذه التعليمات بإضافة نصوص توضح حقوق الأطباء المتدربين خلال فترة تدريبهم وبخاصة ما يتعلق بالأجور.
ويُشير الخطيب إلى أن أولويات اللجنة بهذا الخصوص هي إضافة بند يُحدد حداً أدنى للأجور لهؤلاء الأطباء وإلزام جميع المستشفيات بتنفيذ هذا البند.
من جهته، يقول أمين عام المجلس الطبي الأردني الدكتور محمد العبداللات إنه لا توجد أي تعليمات في المجلس تٌلزم المستشفيات المعتمدة بإعطاء الأطباء المتدربين أجورا، ولا يملك المجلس أي صلاحية في التدخل بهذا الجانب.
ويبين العبداللات أن أي أجر يتقاضاه الطبيب المتدرب ما هو إلا مكافأة تشجيعية له، ولا يُعتبر أجرا ثابتا، لأن وصفه الوظيفي متدرب وليس موظفا، وجميع المهام التي يقوم بها هي مهام تدريبية تحت إشراف الأطباء العامّين والاختصاصيين.
ويؤكد أن المجلس يؤيد إعطاء كل طبيب متدرب أجرا شهريا مقابل عمله، إلا أنه في الوقت ذاته لا يملك الصلاحية بإلزام المستشفيات بذلك، فالمجلس يقصُر عمله على الإجراءات الفنية لهؤلاء الأطباء من حيث توزيعهم على المستشفيات المعتمدة والإشراف على تدريبهم وتقييمهم، إضافة إلى السير في إجراءات تأهيلهم إلى الطب العام حال أنهوا فترة التدريب.
ويعتقد العبداللات أن الجهة المسؤولة عن هذا الجانب هي وزارة الصحة نظرا لأن المجلس الطبي تحت مظلتها، ويرى أن وضع أجور محددة للأطباء المتدربين يكون بتنسيق الوزارة مع مجلس الوزراء.
وحاول "المرصد العمالي" التواصل مع وزارة الصحة مرات عديدة للاستفسار عن تأخر صرف المكافآت، لكن بدون جدوى.
غياب قانون العمل يزيد المعاناة
يقول مدير مركز بيت العمّال حمادة أبو نجمة إن أي شخص يعمل أو يتدرب لدى مؤسسة خاصة، فيجب أن ينطبق عليه قانون العمل.
ويبين أبو نجمة أن المواد المتعلقة بالتدريب في قانون العمل يجب أن يخضع لها هؤلاء الأطباء في حال إثبات أنهم متدربون حتى وإن كانت هناك تعليمات خاصة بهم في المجلس الطبي الأردني.
ويلفت إلى أن المادة 37 من قانون العمل ألزمت تحديد مدة عقد التدريب ومراحله المتعاقبة والأجور المستحقة للمتدرب في كل مرحلة، ويجب أن لا يقل الأجر في المرحلة الأخيرة عن الحد الأدنى للأجر المُعطى لعمل مُماثل.
ويؤكد أبو نجمة ضرورة إعطاء جميع أطباء الامتياز في القطاع الخاص حقوقهم المنصوصة في قانون العمل وصرف أجور لهم وشمولهم حتى بالحمايات الاجتماعية.
مقارنات مع المتدربين في النقابات الأخرى
تَواصل "المرصد العمالي" مع نقابات مهنية أخرى مثل نقابة المحامين والمهندسين لمعرفة ما إذا كانت أوضاع المتدربين فيها مشابهة لأوضاع الأطباء المتدربين أم لا.
فمثلا، يقول أحمد، وهو محام أنهى مدة تدريبه قبل عدة شهور، إن أوضاع المحامين المتدربين مشابهة لأوضاع الأطباء المتدربين، إذ أن العديد منهم لا يتقاضون أجورا طيلة فترة تدريبهم.
ويبين أحمد أن تدريب المحامين يمتد لعامين ويكون في مكاتب المحاماة، إلا أن هناك العديد من المكاتب لا تدفع أي أجور للمتدربين.
ويشير إلى أن المكاتب التي تدفع أجورا للمتدربين عددها قليل وتكون الأجور متدنية، أي لا تُجاوز الـ200 دينارا في الشهر.
في حين بالنسبة للمهندسين المتدربين، فيقول مدير التدريب والتشغيل في نقابة المهندسين طارق المومني إن نظام التدريب في النقابة اختياري وليس إلزاميا، لكنه مدفوع الأجر.
ويبين المومني أن هناك برامج تدريبية للمهندسين الخريجين تمتد من ستة أشهر إلى سنة كاملة، لتطوير مهاراتهم وزيادة احتمالية حصولهم على فرص عمل.
ويؤكد أن المتدربين ضمن هذه البرامج يتقاضون أجورا شهريا طيلة مدة تدريبهم، ويشير أن آلية دفع الأجور تكون بالشراكة بين المؤسسات التي يتدرب المهندسون فيها والنقابة.
ويوضح المومني أن المتدرب يتقاضى 260 دينارا شهريا من المؤسسة ومن 50 إلى 100 دينار شهريا من النقابة.
مقارنات مع دول أخرى
يقول العضو السابق بالمجلس الطبي في لجنة الدراسات العليا الدكتور زكي كولاغاصي وهو كان قد زاول مهنة الطب في بريطانيا لسنوات عديدة، إن هناك فرقا شاسعا في ظروف العمل بين أطباء الامتياز في بريطانيا والأردن.
إذ أن جميع الأطباء المتدربين في بريطانيا يخضعون لقانون العمل ويتقاضون أجورا شهرية ملائمة مع المستوى المعيشي، ناهيك عن وجود احترام للجهد المبذول من هؤلاء الأطباء.
ويشير إلى أنهم يعملون لساعات ليست طويلة كونهم متدربين، ويتم إعطاؤهم جميع حقوقهم المنصوصة في التشريعات ذات العلاقة.
ويعتقد أن الأطباء المتدربين في معظم الدول يأخذون حقوقهم كافة ويتقاضون أجورا شهرية، وهو ما يجب تطبيقه في الأردن.
(المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت)