زاد الاردن الاخباري -
جاء الناس إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، واشتكوا من غلاء اللحم، فقالوا: سعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم!
فقال الناس: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال: اتركوه لهم -أي لا تشتروه منهم-.
ترك السلعة عند التاجر أو مقاطعتها هي أقصر الطرق لمحاربة ارتفاع الأسعار وأكثرها فعالية لتخفيض سعر أي سلعة حتى لو كان الناس بأمس الحاجة لها.
ولو أن الناس ينتهجون المقاطعة أسلوبا لما ارتفع سعر سلعة على الإطلاق، فهذه القاعدة يتفق عليها الاقتصاديون حتى لو اختلفت مدارسهم.
ويقول مواطن بسيط "لو أن الناس قاطعوا المنتجات غالية الثمن لفترة قصيرة لتكدست عند التجار بضائعهم وضاقت بها مخازنهم ولن يجدوا إلا تصريفها بأي ثمن للتخلص منها وشراء غيرها".
السؤال: هل الناس يطبقون ما يعتقده هذا المواطن؟ فمنذ سنوات وأسعار السلع في المملكة ترتفع بدون توقف، والغريب في الأمر أن معظم الناس لا يتوقفون عن شراء ما يرتفع سعره وتقتصر مواقفهم على الشكوى والتذمر من "جنون الأسعار".
ويرى اقتصاديون أن هناك عدة طرق لمحاربة ارتفاع الأسعار لكنهم يعتبرون المقاطعة أفضل طريقة لكبح ارتفاع سعر أي سلعة، لكن ذلك يتطلب توعية الناس حول أهمية هذه الطريقة بينما يتوجب تفعيل دور الجمعيات والهيئات المتخصصة وعلى رأسها جمعية حماية المستهك.
لكن ذلك ليس كافيا؛ إذ يؤكد اقتصاديون أن دور الحكومة ضروري جدا لمحاربة ارتفاع الأسعار؛ لا سيما إذا كان سببه وجود احتكارات لسلع استراتيجية مثلما دارت شبهات حول حالات احتكار كبيرة في سوق اللحوم المحلية التي ارتفع سعرها إلى مستويات جعلت اللحوم سلعة لا تتوفر على موائد كثير من الأردنيين.
ويقول الخبير الاقتصادي قاسم الحموري "إن سلوك المستهلك البعيد عن الرشد الاستهلاكي، والذي يدفع المواطن إلى شراء المواد الأساسية بغض النظر عن ارتفاع أسعارها، يعكس ثقافة اقتصادية اجتماعية خاطئة".
ويشير الحموري إلى "أن السلوك الاستهلاكي غير المنضبط والقائم على شراء المواد الغذائية من باب التفاخر يعمق مشكلة عدم القدرة على مقاطعة السلع لغلائها".
ويرى الحموري "أن مقاطعة السلع ذات الأسعار المرتفعة هو السلاح الوقائي الوحيد المتبقي لحماية المستهلك في ظل غياب دور جمعية حماية المستهلك".
وهو ما يتفق معه خبير الاقتصاد الدكتور مازن مرجي، ملقيا الكرة في ملعب "جمعية حماية المستهلك"، التي لا تملك أي قانون لممارسته حيال ارتفاع الأسعار غير المبرر والتجار الذين يستغلون حاجة المستهلك في ظل غياب التنافس وسيادة الاحتكار، الأمر الذي يصعب وجود بدائل في السلع.
ويرى مرجي "أن من الواجبات الأساسية لجمعية حماية المستهلك توعية المستهلك وإرشاده، ومن حقها وواجبها أن تشهر بالتجار الفاسدين لتحذير المجتمع وحماية حقوق المستهلك".
واستنادا للبيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، فقد كانت واحدة من أبرز المجموعات السلعية التي ارتفعت أسعارها خلال فترة الشهور الثمانية المنقضية من العام الحالي، اللحوم والدواجن بنسبة 7.1 %.
وبالحديث عن أسعار الدواجن، يستذكر اقتصاديون ما شهدته أسعار الدواجن من انخفاض كبير في العام 2006 حينما ظهر مرض انفلونزا الطيور الذي أرغم الناس على المقاطعة؛ إذ تراجع الطلب عليها وانخفض سعر الكيلو بنسبة 50 %.
وفي سوق اللحوم، يقر تاجر اللحوم محمود الحلبي "أن للتجار دورا كبيرا في استمرار مشكلة الارتفاع المستمر للأسعار، وخصوصا بعد تعويم أسعار اللحوم وإعطاء التاجر كامل الحرية لوضع الأسعار".
ويضيف الحلبي "أن المستهلك يكون غالبا عرضة للإشاعات التي يصدرها المنتفعون منها من التجار عن احتمال انقطاع سلعة معينة أو مادة غذائية أساسية"، الأمر الذي يسهم في اندفاع المستهلك إلى الأسواق لشراء ما يمكن من تلك السلع. كما يشير الحلبي إلى استغلال بعض التجار المناسبات والأعياد والمواسم لرفع أسعار المواد الغذائية والسلع على المواطن؛ وتحديدا في شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى.
هذا أمر يرفضه تماما تاجر اللحوم خالد العجوري، مشيرا إلى أن مشكلة سوق اللحوم تحديدا هي الممارسات الاحتكارية التي باتت تسيطر على سوق اللحوم المستوردة بهدف التحكم بالأسعار الذي يلزم التجار برفع أسعارهم باستمرار.
وتأتي الممارسات الاحتكارية من كبرى الشركات المستوردة في سوق اللحوم لغايات بسط السيطرة والاستحواذ على الحصة الأكبر من استهلاك الأردنيين من اللحوم الطازجة، الذي يصل إلى 36 ألف طن سنويا.
ويلفت العجوري إلى "أن سعر الخروف الأسترالي الحي وصل إلى 200 دينار في الفترة الأخيرة".