أ. د رشيد عبّاس - المربي التربوي الألماني (فريدريك فروبل) هو أول من أوجد فكرة رياض الأطفال, مؤسساً بذلك أول روضة أطفال في المانيا عام 1837م ومشرفاً عليها! والمفارقة الغريبة هنا انه لم يضع أي من أبناءه فيها, وقد ربطتُ ذلك مع حديث احد أصحاب رياض الاطفال المتواجدة في العاصمة عمان ذات يوم حين قال: أنا لم أضع أي من ابنائي في الروضة! بعد ذلك دفعني الفضول ومن خلال عملي الطويل في سلك التربية قمتُ بطرح كثير من التساؤلات حول: لماذا كثير من رياض الأطفال لم يتواجد فيها أبناء أصحابها؟
المظهر العام لرياض الأطفال..
غُرف مزيّنة, العاب بسيطة في الساحات, باصات برتقالية اللون تنقل الأطفال, زي موحّد للأطفال, معلمات طائعات مُسيّرات, أنشطة مُعلقة غير مُفعّلة تسُرُ الناظرين, صراخ أطفال هنا وهناك, سحابة من عُطاس الأطفال داخل الغرف الصفية, مديرة تقلّب دفتر تحصيل الرسوم 24 ساعة, هواتف أصحاب رياض الأطفال لمديرة الروضة لا تنقطع, معظمها يدور حول كم عدد المسجلين؟ وكم قيمة الدفعات المالية.
حقيقة وجوهر رياض الأطفال..
في رياض الأطفال يكتسب الأطفال سلوكات سلبية كالعنف والصخب وفقدان الحنان والقسوة واللامبالاة بطريقة غير مباشرة, وتبقى كامنة لديهم لحين مرحلة المراهقة أو ربما لما بعدها, ليعبروا عنها بصورة أوسع.
إن انتزاع الأطفال من حضون امهاتهم في سن 3- 5 ووضعهم في مكان آخر, أمر يتعارض مع الفطرة الإنسانية, لما للأم الحقيقية من انعكاسات مادية ومعنوية عظيمة لا يعلم اهميتها بالنسبة للطفل إلا الله, وما العنف والصخب وفقدان الحنان والقسوة واللامبالاة التي نلاحظها على شباب اليوم إلا دليل قاطع على عدم انعكاسات النواحي المادية والمعنوية على الأطفال في مثل هذا السن من قبل أمهاتهم.
الدراسات تأكد أن في رياض الأطفال يكون الأطفال أكثر عرضة للتأثر بسلوك الآخرين السلبي, ويكون الأطفال أكثر عرضة لالتقاط العدوى والأمراض المزمنة, وفي رياض الأطفال يكون الأطفال في أعلى مستويات العدوان والعصيان والتمرد الكامن في نفوس الأطفال, وفي رياض الأطفال أيضاً يقل ارتباط الأطفال بوالديهم والذي هم بحاجة اليه في هذا السن بالذات.
هناك كثير من التحفظات غير الإنسانية على سلوك وممارسة بعض (المربيات) غير المؤهلات التي تُمارس على الأطفال في غرف ومرافق رياض الأطفال, ولا يستطيع الطفل التعبير عنها أو ربما نقل الصورة إلى الاهل, والتي تشكل سلوكاُ سلبياً للأطفال فيما بعد, وقد نرى انعكاساتها المرعبة كالعنف والصخب في البيت والمدرسة والجامعة والعمل فيما بعد, كيف لا والممارسات السلبية التي تُمارس على الطفل داخل الروضة وأن صغرت, فأنها ستكبر وتتعاظم معه حين يكبر وسيعكسها فيما بعد على حياته وحياة الآخرين اليومية.
إذا كان لا بد من وضع الأبناء في رياض الأطفال لسبب اسري أو آخر, علينا المتابعة الحثيثة لهم ومراقبة سلوكهم وتصرفاتهم اولاً بأول, مع يقيني التام بالحاجة الماسة لخروج بعض الأمهات للعمل خارج البيت لساعات طوية نتيجة للأوضاع الاقتصادية السائدة, إلا أن وضع الأبناء في رياض الأطفال لسبب أو لأخر, عليه ما عليه من المحاذير والتحفظات والمخاطر.
أن كل سلوك سلبي مهما صغُر يكتسبه الطفل في الروضة سينعكس بعد عدة سنوات على حياته وعلى حياة الآخرين اليومية بصورة أوسع, وأن كل جانب مادي ومعنوي لم يأخذه الطفل من امه في هذا السن بالذات سينعكس بعد عدة سنوات على بيئته بصورة أوسع.
عالمة النفس الايطالية (ماريا مونتيسوري) ترى أن اخذ الأطفال في سن 3- 5 من أحضان أمهاتهم وأسرهم مكرهين إلى رياض الأطفال, هو التمهيد الأول والضروري لخروجهم طوعاً بعد سن الــ 18 من بيوتهم, ليكونوا قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة لهم, والتخلي عن اسرهم, والتكيف على العيش دونهم.
الغريب العجيب أن (ماريا مونتيسوري) وضعت ابنتها الوحيدة في احدى مؤسسات رياض الأطفال في إيطاليا, وبعد ثلاثة اسابيع أعادتها للمنزل مسرعة دون أن تذكر السبب, قائلة: رياض الأطفال تجارة سلعتها الصغار, مع انها دفعت جميع المستحقات المالية المترتبة على ابنتها الوحيدة.
اعتقد جازماً أنه لا يوجد دراسات تؤكد تفوق في التحصيل الدراسي لاحقاً لدى الأطفال الذين دخلوا رياض الأطفال, على أقرانهم الذين لم دخلوا رياض الأطفال, وان وجد ذلك فهو من باب الدعاية والإعلام لهذه التجارة.
اتركوا أطفالكم ينمو نمواً طبيعياً دون تسريعهم للتعليم في بيئات غير آمنة, فان تسريع تعليمهم في سن 3- 5 خارج حضانة امهاتهم محفوف بالمخاطر, والتي ستظهر انعكاساتها السلبية في مرحلة الشباب وما بعدها, كيف لا وحضانة الأم لأطفالها لا يمكن تعويضها باي شكل من الأشكال..
ولكم القرارات الأخيرة أيها الآباء, وأيتها الأمهات.