زاد الاردن الاخباري -
في المحاولة لقراءة التوتّر على الحدود الشماليّة بين دولة الاحتلال وبين منظمة (حزب الله) اللبنانيّة، يتحتّم الأخذ بعين الاعتبار عامليْن أساسييْن مُهّميْن لهما مدلولاتهما التكتيكيّة والإستراتيجيّة على ميزان الرعب وتآكل قوّة الردع الإسرائيليّة: أولاً، محاولة إسرائيل حلّ أزمة قيام الحزب بنشر الخيم على الأراضي التي تزعم السيادة عليها عن طريق التوجّه لمجلس الأمن الدوليّ يؤكِّد لكلّ عاقلٍ في رأسه عينان أنّ وجهة الكيان ليست نحو الحرب، أوْ بكلماتٍ أخرى: إسرائيل تخشى المُواجهة.
أمّا الثاني، فهو قيام جيش الاحتلال الإسرائيليّ بإلقاء قنابل غيرُ قاتلةٍ باتجاه عناصر (حزب الله) الذين حاولوا هذا الأسبوع اختراق الحدود الشماليّة، وكان مفاجئًا للغاية أنْ يُشدِّد وزير الأمن يوآف غالانت في تصريحاته على أنّ القنابل ليست قاتلةً، ولم يكتفِ بالبيان الرسميّ الذي أصدره الناطق العسكريّ الإسرائيليّ، وأكّد فيه هذه المعلومة.
عُلاوةً على ما ذُكِر أعلاه، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ عملية التفجير في مفترق (مجيدو)، والتي وقعت في آذار (مارس) الماضي، أثارت الإسرائيليين لجرأتها، ومع ذلك حتى اللحظة تمتنِع تل أبيب عن اتهام (الحزب) بالمسؤولية عنها، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ إطلاق الصواريخ مؤخرًا من الأراضي اللبنانيّة باتجاه شمال الكيان كان حدثًا استثنائيًا، بيد أنّ تل أبيب تحاشت اتهام (الحزب) بإطلاق الصواريخ، واكتفت باتهام حركة (حماس) في لبنان بالمسؤولية عنها، مع أنّ أرفع المسؤولين في دولة الاحتلال أكّدوا وما زالوا يؤكِّدون أنّ (حزب الله) هو المسؤول عن الجنوب اللبنانيّ، ولا يُمكِن لأيّ تنظيمٍ القيام بعملياتٍ دون الحصول على إذنه، على حدّ تعبيرهم.
مُضافًا لما ذُكِر أعلاه، وَجَبَ التشديد على أنّ الخشية من حزب الله لم تَعُد تقتصِر على الإعلام وعلى تصريحات مصادر رفيعة دون ذكر اسمها، إنّما تغلغلت إلى القيادة، فقد انتقدت وزيرة القضاء الإسرائيليّة السابِقة، آييليت شاكيد، ليلة أمس الجمعة أداء الحكومة في مواجهة نصر الله وقالت للقناة الـ 13 بالتلفزيون العبريّ إنّ نصر الله جعل منّا أضحوكة باستفزازاته الأخيرة وتحرشاته على الحدود، ولذا، أضافت، يتحتّم على الجيش القيام بعمليةٍ عسكريّةٍ لوقف ما أسمتها بالمهزلة.
أمّا وزير الأمن السابِق، أفيغدور ليبرمان، فكشف النقاب في مقابلةٍ مع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، ليلة أمس الجمعة، أنّه يوم الأحد الماضي تمّ استدعاء نتنياهو على وجه السرعة من جلسة الحكومة بعد إطلاق حزب الله صاروخًا باتجاه الأراضي الإسرائيليّة، ولكن خلافًا لموقف الجيش والمنظومة الأمنيّة، رفض منح الضوء الأخضر للبدء بعمليةٍ عسكريّةٍ لتأديب (حزب الله)، على حدّ تعبيره.
في السياق، رأى المحلل العسكريّ رون بن يشاي، من موقع (YNET) العبريّ أنّ هدف نصر الله من الاستفزازات والتحرشات الأخيرة على الحدود هو تخريب وتعطيل مشروع (حجر متشابك) الذي تبنيه إسرائيل على طول الحدود مع لبنان لمنع أوْ إبطاء تسلل القوات الخاصة لحزب الله إلى الأراضي الإسرائيلية في أثناء مواجهةٍ كبيرةٍ مستقبليّةٍ، على ما نقله عن المصادر الأمنيّة الرفيعة في تل أبيب.
وتابع: “المقصود هنا نوايا تحدّث عنها حزب الله ونصر الله علنًا عدة مرات، تسلل وحدات قوة الرضوان إلى داخل الأراضي الإسرائيليّة بهدف السيطرة على مستوطناتٍ قريبةٍ من السياج الحدودي مع لبنان وعلى مواقع عسكريّةٍ وتقاطعات طُرُقٍ أساسيّةٍ في الشمال، والهدف من احتلال حزب الله المستوطنات هو خطف شباب ومدنيين وجنود والاحتفاظ بهم من أجل تحقيق فوزٍ على صعيد الوعي”، طبقًا لأقواله.
ومضى قائلاً: “أمّا الهدف من السيطرة على مفارق الطرق والمواقع العسكرية التي ستحاول قوة الرضوان، المؤلفة من 8000 شخص، الاستيلاء عليها، فهو منع وصول التعزيزات إلى هذه المستوطنات، وإيقاع خسائر بين صفوف جنود الجيش الإسرائيليّ”.
وأشار المُحلِّل، نقلاً عن ذات المصادر أنّه “سبق أنْ قال حزب الله هذا الأمر علنًا، ونشر خريطة تُظهر كيف ينوي التسلل عبر ستة محاور هجومية إلى داخل إسرائيل، بين المطلة ورأس الناقورة، ومؤخرًا، استولت قوة الرضوان على مواقع بالقرب من الحدود تحت غطاء (حراس الغابات)، ومن دون أنْ تخفي أن جزءًا من هذا الحرس مسلح. كما أجرت قوة الرضوان قبل شهرَين تدريبًا كبيرًا حاكى هذه الخطة الهجومية”.
“لكن نصب موقع لحزب الله”، استدرك المُحلِّل، “على مسافة عشرات الأمتار داخل الأراضي الإسرائيلية قبل شهرَين، والاستفزازات التي بادر إليها حزب الله على طول الحدود اللبنانية – لها على ما يبدو أهداف عسكرية”.
وتابع المحلل، في تحليلٍ نقلته للعربيّة (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة) “يُواصِل حزب الله استخدام تظاهرات المدنيين وأعمال الشغب حتى اليوم، والآن، يوجه جهده الأساسيّ نحو إبطاء أعمال بناء السياج وتعطيلها، وذلك من أجل السماح لقوة (الرضوان) بالهجوم على الأراضي الإسرائيليّة، ولم يستخدم الجيش حتى الآن القوة ضد هذه الاستفزازات، في الأساس بسبب الردع المتبادل بين إسرائيل ولبنان في السنوات الأخيرة، وبحسب معادلة الردع التي صاغها نصر الله، فإنّ كلّ قتيلٍ لبنانيٍّ، سيُرد عليه بأيام قتالٍ، سيجعل خلالها حزب الله إسرائيل تدفع الثمن عن طريق إطلاق صواريخ وقذائف على المستوطنات في الشمال، وصواريخ مضادة للدروع على قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان.”
واختتم قائلاً: “قبِلت إسرائيل وجيشها بصمتٍ قوانين لعبة نصر الله، والاستفزازات الأخيرة هي جزءٌ من هذه الظاهرة، لكن هذه المرّة، يوجد هدف عسكريّ، والجيش الإسرائيليّ لن يسمح لحزب الله بالاستفادة من ضبط النفس الإسرائيليّ لوقتٍ طويلٍ”، على حدّ قوله.