دستورية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية
دستورية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية
زاد الاردن الاخباري -
كتب أستاذ
القانون الدستوري في كلية الحقوق في
الجامعة الأردنية ليث كمال نصراوين:
أثار مشروع
قانون الجرائم الإلكترونية الجديد
حالة من الجدل السياسي والقانوني حول وجود شبهات
مخالفة لأحكام الدستور فيما يخص تعارضه مع الحق في حرية الرأي والتعبير بصورها وأشكالها المختلفة كالكتابة والتصوير كما قررتها المادة (15) من الدستور، وعدم الحاجة إليه في ظل وجود
قانون قائم وموجود لعام 2015.
فالموقف الرسمي من هذا
القانون يقوم على أساس توفير حماية جزائية ضد الجرائم الإلكترونية المستحدثة التي ترتكب من خلال منصات
التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت، كالتسول والاحتيال الإلكتروني، والحض على العنف والكراهية وازرداء الأديان، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، والاعتداء على وسائل الدفع الإلكتروني والخدمات المصرفية.
في المقابل، فإن حسن النوايا الحكومية في التصدي للجرائم الإلكترونية قد قابله موقفا تشريعيا مستجدا يتمثل في طبيعة العقوبات التي فرضها مشروع
القانون الجديد، والتي شكلت خروجا عن السياسة التشريعية الوطنية، والتي تمثلت بإلزامية الحكم بالحبس والغرامة المالية التي جرى تقديرها بمبالغ مالية عالية لم يعتد عليها المتابع للتشريعات الوطنية،
خاصة تلك التي تتعلق بتنظيم الحقوق والحريات الدستورية. وهذا ما دفع البعض إلى القول بأن هذه العقوبات قد تجاوزت الفلسفة من الجزاء القانوني التي تتمثل بإيقاع العقوبة
المناسبة التي تتوافق مع الضرر الحاصل.
إن المبدأ الدستوري الثابت بألا
جريمة ولا عقوبة إلا بنص يمتد نطاق تفسيره وتطبيقه ليشمل أن تكون العقوبة المقررة على الفعل الجرمي متناسبة من حيث الشدة والطبيعة مع المخالفة لأحكام القانون، وهو الأمر الذي لا يتوافر في المشروع الجديد، حيث المغالاة في الغرامات المالية المقررة على الأفعال الجرمية المرتكبة.
أما فيما يخص توافق نصوص المشروع الجديد مع أحكام الدستور التي تكرس حرية الرأي والتعبير، فإن المشرع الدستوري قد ربط ممارسة هذا الحق بعدم تجاوز حدود القانون. بالتالي، فإن إطلاق هذا الحق على مصراعيه وتركه دون تقييد سيخلق
حالة من الفوضى التي قد تجر عواقب لا يُحمد عقباها. فمتى أتيح للشخص التعبير عما يجول في خاطره ووجدانه من آراء قد لا تتفق مع السياسة العامة في الدولة أو مع ما يحمله الغير من أفكار ومبادئ، فإن ذلك سيدفع الفرد إلى التعبير عن رأيه بأسلوب يتضمن العدائية للدولة والذم والقدح في الآخرين.
فمبدأ التأطير القانوني لممارسة الحقوق والحريات بطريقة تكفل لباقي أفراد المجتمع ممارسة حقوقهم وحرياتهم الخاصة بهم والحفاظ على النظام
العام قد جرى تكريسه منذ القدم، في إعلان حقوق
الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 الذي صدر عقب الثورة الفرنسية، حيث نصت المادة (4) منه على أن "الحرية هي ممارسة كل ما لا يضر بالغير، وعلى ذلك فممارسة كل
شخص لحقوقه الطبيعية لا يرد عليها من القيود إلا ما يكفل لسائر أعضاء الجماعة أن يمارسوا الحقوق ذاتها، ولا تحدد هذه الحقوق إلا بقانون".
في المقابل، فلا بد من إيجاد علاقة متوازنة بين الحقوق والحريات العامة من جهة والنظام
العام في الدولة وحقوق الغير من جهة أخرى للمحافظة على التوازن بينهما. وهذا يتطلب إدراكا تاما بأن الحقوق والحريات من الناحية الواقعية لا يمكن أن تكون إلا نسبية، وبأن مهمة تنظيم العلاقة بين الحق والحرية الفردية والنظام
العام في الدولة يتولى تحقيقها القانون، الذي يهدف إلى ادخال حقوق الأفراد وحرياتهم في الإطار
الاجتماعي للدولة.
ويبقى التحدي الأبرز في مجال تنظيم حرية الرأي والتعبير، وسائر الحقوق
الدستورية الأخرى، يتمثل في رسم الحدود بين التنظيم والتقييد. فالمشرع الدستوري قد اتبع أسلوب تكريس الحق والحرية ومن ثم الإحالة إلى القاعدة القانونية لتنظيمها، وهذا يعني أن الحق هو الأساس وأن أية قيود يقررها
القانون تمثل استثناء على هذا الحق. بالتالي يجب عدم التوسع في تفسيرها وإبقاء تطبيقها في أضيق الحدود الممكنة.
وقد حددت المواثيق الدولية لحقوق
الإنسان الشروط الواجب مراعاتها عند فرض القيود على ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، أهمها أن يكون القيد لازما وضروريا، وأن يستجيب لحاجة عامة أو اجتماعية ملحة يجب تلبيتها لمنع انتهاك حق قانوني تشمله حماية أكبر، وأن يحقق القيد هدفا مشروعا وبشكل متناسب معه، على أن يقع عبء إثبات مشروعية فرض القيد على الحق والحرية وضرورته على الدولة.
لقد استقر اجتهاد
المحكمة الدستورية الأردنية على الاعتراف بسلطة المشرع التقديرية في تنظيم ممارسة الحقوق والحريات العامة، شريطة ألا تمتد هذه
السلطة إلى التنكر للحق الدستوري أو إفراغه من مضمونه، بحيث ينقلب القيد في هذه الحالة إلى مثلبة دستورية، ويكون النص الوارد في
القانون المعني حري الإلغاء وإعلان عدم دستوريته.
وعليه، فإن
السلطة التشريعية، وفي معرض مناقشتها لمشروع
قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، مدعوة إلى أن تقف على ماهية القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير والجزاءات المقررة عليها، وأن تمايز بين تلك التي تنظم الحق والتي تنكره وتلغيه.
فإن ثبت لها أن نصا معينا أو جزاء محددا في مشروع
القانون الجديد يهدف بطبيعته إلى إلغاء الحق في الرأي والتعبير أن تقوم بحذفه أو تعديله، وذلك حماية لهذا
القانون من الطعن بعدم دستوريته بعد نفاذه بحجة مخالفته أحكام المادة (128) من الدستور، التي تنص على أنه لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.