زاد الاردن الاخباري -
باتت مخاوف تعطل سلاسل الإمداد الغذائي في العالم وعودة أسعار الغذاء إلى الارتفاع من جديد قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح واقعا جديدا بفعل تغيرات "سياسية" و"مناخية" متلاحقة، وسط تحذير خبراء من تبعاته المباشرة على الأردنيين.
وفي ظل قرار روسيا بعدم تجديد اتفاقية تصدير الحبوب التي تجمعها مع أوكرانيا، إضافة إلى وقف الهند تصدير الأرز وتوحش موجة الجفاف التي تضرب كثيرا من البلدان، يدعو خبراء إلى مواجهة الأمر بجدية، لأن موجة التضخم القادمة لن تكون سهلة، لا سيما وهي تأتي بعد حالة من "الإنهاك الاقتصادي".
وبين الخبراء أن هذه المتغيرات سينجم عنها ضغوط اقتصادية ومعيشية على جميع الدول ومواطنيها، إضافة للضغوط على الخزائن العامة لجميع الدول بما فيها الأردن، وسيضع العالم أمام مشكلة تتعلق بالمعروض من السلع والمنتجات المختلفة، خاصة السلع الأساسية (الحبوب واللحوم والألبان).
ولتجنب تأثير هذه المتغيرات بشكل حاد على الاقتصاد الوطني، دعا الخبراء إلى ضرورة رسم استراتيجية جديدة للأمن الغذائي تركز بشكل أساسي على تعزيز الإنتاج المحلي، إضافة إلى تعزيز الصناعات الغذائية وتقديم الحوافز الاقتصادية اللازمة لذلك، إلى جانب العمل على جذب الاستثمارات التي تدعم الأمن الغذائي.
كما دعا هؤلاء إلى ضرورة إعادة النظر في تسعيرة القمح محليا، وتوحيد بيع أسعار القمح على المنشآت كافة، وفق الأسعار العالمية.
ودعوا إلى وجوب توقيع عقود مستقبلية مستعجلة لاستيراد الأغذية والحبوب التي تضمن توفر الأمن الغذائي محليا وعدم التأثر من الأزمات.
وكانت الهند، أكبر مصدر للأرز في العالم، قد اتخذت، منتصف الشهر الحالي، قرارا يمنع تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي "بمفعول فوري"، من أجل ضمان إمدادات المستهلكين الهنود والتخفيف من ارتفاع الأسعار في السوق المحلية.
جاء ذلك بعد أيام من إعلان روسيا عدم تمديد مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود الذي تم التوصل إليه العام الماضي بمبادرة من تركيا، وباتفاق بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، إذ كانت تنص الاتفاقية على تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممر إنساني فتحه الأسطول الروسي في البحر الأسود، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية.
ويشار إلى أن الإصدار الأخير من تقرير الأمن الغذائي لشهر تموز (يوليو) الصادر عن البنك الدولي، قد أكد أن تضخم أسعار الغذاء المحلية ما يزال مرتفعاً في مختلف أنحاء العالم.
وبين تقرير الأمن الغذائي، أن الفترة من شباط (فبراير) إلى أيار (مايو) من العام الحالي، شملت بيانات عن تضخم أسعار المواد الغذائية، تشير إلى ارتفاع معدلات التضخم في معظم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مع ارتفاع مستويات التضخم إلى أكثر من 5 % في 61.1 % من البلدان منخفضة الدخل، و79.1 % من الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، و70 % في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، وكثيرا منها تشهد معدلات تضخم مكونة من خانتين.
كما كشف التقرير عن ارتفاع أسعار القمح والأرز بنسبتي 1 % و3 % على التوالي عما كانت عليه في كانون الثاني (يناير) 2021.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش "العالم اليوم يتجه نحو الإقليمية أو ما يمكن تسميتها بـ"القومية الاقتصادية"؛ إذ تحاول كثير من دول العالم حماية اقتصادها ومنتجاتها بوسائل مختلفة من خلال الحماية الجمركية عبر الانضمام إلى تكتلات اقتصادية، أو دعم المزارعين والمنتجين لديها، مما يتنافى مع اتفاقيات التجارة الحرة والعولمة.
وأوضح عايش، أن كثيرا من الدول باتت تضع قيودا على حركة التبادل التجاري من صادرات ومستوردات، ومن بينها المواد الغذائية؛ حيث إن هذا يضع العالم أمام مشكلة تتعلق بالمعروض في العالم من السلع والمنتجات المختلفة بالذات عندما نتحدث عن السلع الأساسية (الحبوب واللحوم والألبان)؛ حيث إن امتناع أو تقليل هذه الدول الحركة التجارية سيكون له انعكاس على تعطل سلاسل الإمداد الغذائي وينذر بأزمة.
وزاد عايش "نعيش اليوم في قلب متغيرات متسارعة على الصعد كافة؛ حيث إن الظروف السياسية دفعت روسيا إلى عدم تجديد مشاركتها في اتفاقية تصدير الحبوب، كما أن الإجراءات الحماية أوقفت تصدير الأرز من الهند، وأيضا المناخ أوقف الصين من تصدير كثير من المنتجات الغذائية نتيجة غزارة الأمطار التي أتلفت الكثير من المحاصيل، عدا عن الجفاف الذي يضرب بعض الدول، وهذا كله يتزامن أيضا مع تزايد الطلب العالمي على الغذاء، نتيجة التزايد السكاني، مما سيلحق الضرر بالدول، خاصة منخفضة ومتوسطة الدخل التي تعتمد على الاستيراد وبنسبة كبيرة كالأردن، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء".
وأكد عايش أن الأردن خطا خطوات مهمة نحو تحقيق الأمن الغذائي من خلال زيادته المخزون الاستراتيجي من الحبوب والقمح، إلا أنه لا يمكن لدولة أن تصل لمرحلة الاكتفاء الغذائي الذاتي التام.
وبقصد الحد من آثار هذه الأزمة وغيرها من الأزمات المماثلة على السوق المحلية، دعا عايش إلى تعزيز الصناعات الغذائية وتقديم الحوافز الاقتصادية اللازمة لذلك، إلى جانب العمل على جذب الاستثمارات التي تدعم الأمن الغذائي.
وبدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري "الحروب والأزمات التي يشهدها العالم، إضافة إلى تراجع العولمة، تؤدي إلى عرقلة توريد سلاسل التزويد الغذائي عبر العالم، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق العالمية".
وأكد الحموري أن أي ارتفاع يطرأ على أسعار الحبوب والسلع الغذائية في العالم، سيؤثر سلبا على الأردن، خاصة وأننا نعد من الدول المستهلكة التي تعتمد في غذائها على الاستيراد الخارجي، مبينا أن ذلك سيلحق الضرر بالفئات الاجتماعية الهشة والمعوزة.
ولتجنب السقوط في فخ هذه الأزمة والتخفيف من حدة آثارها أو أي أزمات أخرى مستقبليا، دعا الحموري، الحكومة، إلى ضرورة رسم استراتيجية جديدة للأمن الغذائي تركز بشكل أساسي على تعزيز الإنتاج المحلي، إضافة إلى التوسع في زراعة الحبوب والتغلب على تحدي ندرة المياه، من خلال توظيف التكنولوجيا الزراعية والزراعة المائية.
كما دعا الحموري إلى ضرورة إعادة النظر في تسعيرة القمح محليا وتوحيد بيع أسعار القمح على المنشآت كافة وفق الأسعار العالمية، مع تقديم دعم نقدي مباشر للمواطنين من أجل شراء الخبز للحد من بعض التجاوز التي تشهدها السوق والمحافظة على كميات آمنة من القمح، إلى جانب وجوب توقيع عقود مستقبلية مستعجلة لاستيراد الأغذية والحبوب التي تضمن توفر الأمن الغذائي محليا وعدم التأثر من الأزمات.
وأكد الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن المتغيرات الأخيرة من تعليق روسيا العمل باتفاقية الحبوب ووقف الهند تصدير الأرز والتغير المناخي الحاصل، سينجم عنها على المستوى العالمي ارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية كالقمح وبقية الحبوب والأرز، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة التي تعد مدخلا حياتيا وصناعيا أساسيا لكثير من المنتجات غذائية وغيرها، ما يرفع أسعار بقية المنتجات.
وأوضح زوانة أن هذه المتغيرات ستضع ضغوطا اقتصادية ومعيشية على جميع الدول ومواطنيها، إضافة للضغوط على الخزائن العامة لجميع الدول، بما فيها الأردن، وبالتالي الدخول في حلقة جديدة من توترات الأسواق التي ستلحق الضرر بالنمو الاقتصادي العالمي، مبينا أن ذلك قد يؤدي أيضا لعودة التضخم للارتفاع من جديد، مما سيدفع الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأوروبية لتشدد أكثر في سياستها النقدية ورفع أسعار الفائدة.
وأشار زوانة إلى أنه من الواضح، في حال استمرار هذه المتغيرات دون معالجة، سترتفع كلفة الغذاء محليا وسنواجه، أسوة بدول العالم، ضغوطا اقتصادية ومعيشية تستدعي من الحكومة مراعاة أكثر للتطورات، عالمية وداخلية، والتروي بقراراتها السياسية والاقتصادية، والإقدام على التواصل البناء مع المواطنين لإدراك الصورة الداخلية والخارجية وتفاعلاتها.
وتجدر الإشارة إلى أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك (التضخم)، قد شهد في النصف الأول من العام الحالي، ارتفاعا بما نسبته 2.98 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة.
وكان التقرير الشهري لأسعار المستهلك لشهر حزيران (يونيو) من العام الحالي، قد بين أن التضخم خلال شهر حزيران (يونيو) قد سجل ارتفاعاً نسبته 1.17 % مقارنة مع الشهر المقابل من العام الماضي، كما ارتفع الرقم القياسي لحزيران (يونيو) 2023 بنسبة 0.2 % مقارنة بالشهر من العام الذي سبقه بحسب الغد.