زاد الاردن الاخباري -
كتب : عبدالهادي راجي المجالي - الأردن ليست مشكلته في المعارضة ولا في الموالاة, الأردن مشكلته في الذين يحتكرون الحقيقة لهم, ويحتكرون الأردن لهم, والتاريخ ملكهم... المعارضة لا تعني احتكار الحقيقة, ولا تعني توزيع الكرامة على الناس, لا تعني أيضا جلد فلان.. لا تعني اغتيال علان أبدا.
لقد أسسنا في الأردن معجما في الفيس بوك اسمه معجم المعارضة, وهو يقوم على انتاج أوصاف للناس وتصنيفات.. ويقوم أيضا على انتاج الطبقات, مثلا إذا كتبت مقالا عن الحكومة فأنت (سحيج).. وهو وصف جاهز لإطلاقه عليك في أي لحظة, وإذا مدحت جهاز الأمن العام على موقف.. يدخلونك في خانة (كتاب التدخل السريع).. وإذا انتقدت سلوكا شعبيا مرتبطا بتيار سياسي ما.. يطلقون عليك وصف (قبيض).., وإذا قمت يوما يتفريغ غضبك في مقال ما.. وانتقدت الوضع العام فإن المعجم جاهز وسيستخرجون منه مصطلح: (مصدر)...
المشكلة ليست في المعجم فقط, المشكلة أنهم يحبون أن يشاهدوا وصفي كما يريدونه هم... ويقرأون هزاع المجالي بطريقتهم, والبترا في عرفهم ليست مدينة من الصخر بل هي مدينة من الورد,... ومؤتمر أم قيس هم من وضعوا أبجدياته وسنوا قراراته.. والصحراء لدينا كانت تفيض بالماء,.. هم يتدخلون في مجرى دمك, ويحاكمون دمك.. ذات مرة كتب لي أحدهم قائلا: (حرام اتكون كركي).. حتى مسقط رأسك يصادرونه... لديهم محاكمهم الخاصة, التي تغتال الضمير والقلب.. هم السادة النجب ونحن من بقية قافلة.. تاهت في عرض الصحراء, وكان لابد أن نتوه لأننا لم نلحق?بركبهم.
حتى الوطنية يعلموننا اياها, وتعريف الأردن هو لهم.. هم يعرفون الأردن كما يريدون, أما أنت فكل ما تقوله عن وطنك مجرد سراب, هم يحتكرون الإيمان لهم فقط.. ويتركون لك حرية العيش في الظلام.
صدقوني أن القصة ليست في قانون الجرائم الإلكترونية, القصة فيمن يحتكرون الوعي والحقيقة... فيمن يعتقدون أن محمد عابد الجابري كان تلميذا عندهم, وأن هيكل مات دون أن يتعلم منهم أبجديات العلاقات الدولية, هم يعتقدون أن (الدومورو).. لو جلس معهم في اجتماع ليلي, لقاد إيطاليا بشكل أفضل... هم يدركون حجم المؤامرة الأمريكية عليهم, ويعتقدون أن السفارات تراقب تحركاتهم.. ويعتقدون أن وزير الخارجية مجرد موظف يبحث عن سلفة, ورئاسة الوزراء مجرد مكان مهجور.. تعففوا عن الذهاب إليه، هم يظنون أن العنب لا ينبت إلا من مقالاتهم... وأن الزيتون في الكرك لا يرتوي إلا من تعليقاتهم على الفيس بوك.
هم المظلومون, المطاردون... ونحن الفئة الباغية.
لم يكن الأردن هكذا, كانت المعارضة تعلم الناس الأخلاق قبل أن تعلمهم السياسة... أنا لم اسمع في حياتي كلمة خرجت من فم (يعقوب زيادين) تحمل إساءة, لم اسمع أيضا (عبداللطيف عربيات).. يؤسس لخصومات مع الدولة, حتى فهد الريماوي..ظل للان يعشق الأردن بمثل حبه لمظفر ابنه وأكثر..
لماذا ذهبت هذه النماذج, لصالح الفوضى والشتم.. لصالح التخريب, لصالح اعتبار وطنيتنا مدفوعة الثمن واعتبار وطنيتهم.. هي الأساس, لماذ ذهبت لصالح اعتبار ضمائرنا من (الكاوتشوك) وضمائرهم من المبادئ..
لم تكن المعارضة في الأردن هكذا, هذه ليست معارضة.. هذه جحافل تحتكر الوعي والحقيقة تحتكر الشرف والضمير والحياة.. تحتكر كل شيء لها, ونحن مجرد رعايا علينا الصمت.