زاد الاردن الاخباري -
المهندس فادي العمرو
كثيرة هي الأحداث الجسام التي مرّت على المنطقة والعالم منذ بداية الألفية الجديدة ، والتي فرضت إيقاعها على منطقتنا حد تهديد استقرار دولها ووحدة أراضيها ومستقبل أبنائها .
الأردن كبلد فاعل في المنطقة والعالم أثّر وتأثر بمجمل الأحداث والهزّات ، صغيرها وكبيرها ، وإن تمثَّل أخطرها بأحداث جسام لم تبدأ باجتياح العراق ، الجار الشقيق المهم ، بما لخصوصية دوره و العلاقة به على مختلف الصعد من تداعيات، ولم تنتهِ بالمتكورات الآخذة في التطور لفيروس كورونا الذي اجتاح الكوكب وغيّر إلى الأبد الكثير من أنماط الحياة ومستقبل الدول … مروراً بحقبة فوضى دموية سميت بالربيع العربي ، عصفت بالوطن العربي فأسقطت أنظمة ودمرت مقدرات شعوب وتسببت بدمار واقتتال وتدخلات ، وعصفت أو كادت بمستقبل معظم دول المنطقة وفرضت على الأردن واقعاً جديداً وضغوطاً هائلة قد لايكون ملف اللجوء العربي المرهق أكثرها خطراً وإرهاقاً ،
كل هذا ناهيكم عما فرضته ولا زالت تطورات المشهد الفلسطيني والاشتباك الأردني الدائم مع تداعياته ، سيما لجهة الجرائم الصهيونية والخطر الذي يفرضه احتلاله فلسطين الشقيقة ووجود حكومة نتنياهو الموصوفة بالأكثر تطرفاً ودمويةً ، مع مافرضه ذلك من ملفات عاصفة وجد الأردن نفسه مضطراً لمواجهتها والتعامل معها في ظرف تختل فيه الموازين في المنطقة والعالم ويصير الثبات والحفاظ على الاستقرار وعلى حياة الناس ومستقبلهم مهمةً تئن تحتها كبريات الدول والأنظمة.
تجاوز الأردن الأزمات بثبات وثقة وبتضافر بين الجهد الرسمي و الوعي الشعبي والإيمان بحتمية البقاء والتقدم ، وفيما نال الأردن نصيبه من كوارث العالم والمنطقة وعاش ولايزال تداعيات اقتصادية خطيرة شق لنفسه طريقاً خاصاً نحو تحصين الذات عبر انتهاج التغيير والاصلاح المتدرجين ، دون التفريط بالمكتسبات ولا الرضوخ نحو رغبات البعض ، جهات او دول لها أجنداتها ومخططاتها، فشهد العالم للأردن بالقدرة الهائلة على الصمود والحفاظ على الاستقرار ، بل ومد يد العون لمن احتاج.
اليوم ومع كثير من التبدلات التي حصلت على الواقع السياسي والاقتصادي بل والاجتماعي على مستوى العالم والأقليم تزداد مصاعب الحفاظ على استقرار الدول والسعي نحو مستقبل آمن لأبنائها، مادفع الأردن نحو صياغة مشروع تطوير شامل يأخذ بالحسبان تطورات الواقع ومصاعب المستقبل ، فجاءت الرؤية الملكية للتطوير الشامل على المستويات السياسية والاقتصادية والإدارية والتي صيغت عبر الشراكة بين مؤسسات الدولة والمختصين والمهتمين من عموم الأردنيين.
ولما كانت تطورات الواقع قد شملت تطوراً هائلاً في وسائل الاتصال والتواصل، سيما مع ثورة غير مسبوقة في مساقات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات والإعلام المجتمعي؛ فقد كان من الطبيعي أن تتطور أيضاً الممارسات الخاطئة وتجاوزات بعض المستخدمين ، سيما وأن القفزة كانت كبيرة ومفاجئة، فتضاعف استخدام التكنولوجيا بديلاً عن الجهد الإنساني وتطورت الجرائم والمخالفات المرتبطة بذلك فأخذت أشكالاً متعددة كان أخطرها مايتعلق بالقرصنة وبث الشائعات او الأكاذيب لتمرير أجندات الغير ، سيما مع تزايد فرص الإفادة المادية من مواقع التواصل .
ومع الخصوصية الاجتماعية التي يتسم بها مجتمعنا الأردني فقد هدّدت بعض الممارسات السلبية والتجاوزات واقع المجتمع وسلمه ومتانته، مادفع باتجاه تطوير التشريعات الناظمة للحالة المستجدة الآخذة في التطور والتمدد على أمل كبح التجاوزات والأخطاء لصالح الاستفادة من ميزات وفوائد وإيجابيات التطور التكنولوجي الذي راهن الأردن عليه ودعم جهود التطور والإفادة منه إلى الحد الذي شهدنا معه قصص نجاح أردنية مدوية في مجال ريادة الأعمال والابتكار وتقديم المعرفة وحل المشكلات تكنولوجياً.
كل ذلك كان يحصل على مرأى ومسمع من العالم الذي تغنى بالمسار الأردني بهذا الخصوص ، فيما كانت أصوات بعض التقليديين أو اصحاب المصالح المتضررة من التطور وبعض المصطادين في الماء العكر يطلقون سهام اتهاماتهم للدولة ومؤسساتها بالانصياع لتوجهات خارجية من منظمات دولية بعينها ناهيكم عن دول عظمى حليفة معتبرين ذلك خطوةً نحو استباحة مسلمات المجتمع ومتانته وقيمه التي نسجها تطور الحياة الاجتماعية عبر عقود.
اليوم ومع إقرار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد يتخذ مشهد الاتهام والمواقف شكلاً جديداً يتعذر فهمه على من لاينطلق من قناعة يقينية عنوانها سيادة الأردن وتغليب مؤسساته المصلحة العامة على ماسواها بمعزل عما يقال هنا او هناك ، فجاء الهجوم المركّز من بعض الجهات والشخصيات في الداخل ، بعضها محق ينطلق من تفصيلات يراها مقيدة للحريات او من قراءة مهتلفة لبعض مواد القانون او تفصيلاته وبعضها الآخر مرتبط بأجندة لاتقبل غير الاعتراض على كل مايُطرح رسمياً بمعزل عن جدواه و فوائده او مضاره بغية تقييد الدولة وفرض رضوخها للسير في مسارات يراد للمنطقة المضي فيها ، لكن اللافت كان تنطّح بعض المنظمات الدولية بل والدول لانتقاد القانون وتحذير الحكومة من إقراره ، وهو ما يتطور عادةً الى تلويح بعقوبات او حرمان من مكاسب يحققها العمل المشترك ، فكان العجيب ان بعض الدول والمنظمات التي كان الأردن الرسمي متهماً باتخاذ مواقف وسن قوانين رضوخاً لإملاءاتها هي أول من وجه سهام الانتقاد وتحت ذرائع الحرص على الحريات وحقوق الإنسان ، وكان الأغرب أن تتخذ بعض الجهات الداخلية التي كانت تطلق هذه الاتهامات ذات الموقف .
وفيما لايرى المنتقدون غضاضة في اتخاذ مواقف تخدم موقف وأجندة أولئك الخصوم المفترضين؛ ترى الأوساط الرسمية أن الأردنيين أعلم بخصوصية مجتمعهم وبالتشريعات التي تضمن الحرية ، لكن المسؤولة، وتنقي المشهد من شوائب خطيرة علقت فيه في ظل الفوضى التي يعيشها التطور وتسبّبها التكنولوجيا في مراحلها الانتقالية ، وهو مالايدركه أولئك القاطنين في مجتمعات مختلفة تبعد آلاف الأميال، وأن أي طرف خارجي ليس له أكثر من إسداء النصح دون التدخل في الشؤون الداخلية ، سيما مع ما يبدو وأن ثمة ارتباط بين بعض الأطراف الخارجية وبعضها في الداخل من شخصيات بدت لفترات طويلة مؤمنة بمسار التحديث المتدرّج بل ودافعت عنه، ليتضح اليوم أن الأولوية هي للمرجعية الخارجية او ان تراجع بعض المكاسب كشف الوجه الحقيقي.
لسنا هنا بصدد اتهام أحد ولا نسعى للدفاع عن الحكومة وقراراتها ، لكننا هنا نوجه ثلاث رسائل:
للدولة كي تمضي فيما تقتنع به من قرارات وتوجهات دون السماح بأي تدخل أو إملاء، سيما من بعض الوجوه الملونة في الداخل والتي حظيت بكثير "دلال” ربما آن له أن ينتهي
لكل من يعمل في العمل العام ، والمعارضين بالذات، للوقوف إلى جانب الدولة في مواجهة أية ضغوط أو ابتزاز، خاصةً من الجهات التي لطالما شككوا بها وبمآربها، فالمتضرر هنا هو الدولة بكل تفاصيلها ، لا الحكومة او بعض مؤسساتها او شخوصها، كما أن الموقف لايتجزأ ورفض التبعية او الضغوط والاملاءات يفترض ان يكون واضحاً لا لبس فيه ، تماماً كما الاستعداد للذود عن البلاد أياً تكن التباينات مع حكومة هنا اومع مسؤول هناك.
للأردنيين الذين لايضلون الطريق ، ويدركون بفطرتهم متى يكون هناك تهديد وكيف يجب الوقوف في وجهه.
ختاماً … تخطئ الحكومات وتصيب ، ويجب أن تُسأل وتحاسَب .. لكن الثابت إلى الأبد أن أي خطأ لايجوز أن يتحول الى ذريعة للاقتصاص من بلاد بُذل في سبيل بنائها أثمانٌ ودماء وتضحيات، وتخوض اليوم معركة متعددة الأوجه وعلى أكثر من صعيد في سبيل الحفاظ على الذات ومواجهة مخططات قد تأخذنا في طريقها إلى حيث لاينفع ندم ولا شعور بالذنب .
القادم سيظل مشرقاً طالما ندرك جميعاً أننا في وطن له من اسم ” أرض العزم” كل النصيب.
لايجوز أن يتحول الى ذريعة للاقتصاص من بلاد بُذل في سبيل بنائها أثمانٌ ودماء وتضحيات، وتخوض اليوم معركة متعددة الأوجه وعلى أكثر من صعيد في سبيل الحفاظ على الذات ومواجهة مخططات قد تأخذنا في طريقها إلى حيث لاينفع ندم ولا شعور بالذنب .
القادم سيظل مشرقاً طالما ندرك جميعاً أننا في وطن له من اسم ” أرض العزم” كل النصيب.