بسم الله الرحمن الرحيم
" زمــان أوَّل حــوَّل يــا إسرائيـــل "
بقلم: الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام
عنوان المقـال هو مثل شعبي قديم يُلخص تجربةً طويلة في الحياة مفادها: أنَّ الأحوال و الظروف في تغيُّر دائم و أنَّ دوام الحال من المحال.
نعــم:
إنَّ من عايش و قرأ عن مسار القضية الفلسطينية منذ قرابة الثمانين عاماً لا بل و منذ نهاية الحرب العالمية الأولى قد رأى كيف أنّ اليهود خططوا و بدعم و رعاية من الدول الكبرى لاغتصاب فلسطين من أهلها الشرعيين و إحلال مستوطنين تجمعوا من كل بقاع الأرض ليحلُّوا مكان شعب متجذر في أرضه ( فلسطين ) على مدى قرون طويلة لا بل آلاف السنين.
و كما خططوا لذلك كان من ضمن خططهم كيف يجعلون الشعب الفلسطيني ينسى أرضه و قضيته مع مرور الزمن، و خططوا أيضاً كيف يُضعفوا كل من جاورهم و أبعد من الجوار و كيف يجعلون المنطقة دائماً في حالة عدم استقرار و في تناحر حتى بين الاخوة و الأشقاء. حتى تظل دولتهم مهيمنة تسيطر على الأرض و على كل خيرات المنطقة.
و حتى تضمن نجاح خططها أعدَّت العدة اللازمة و أخذت الوعد من الدول الراعية لها أن تظل داعمة لها بالمال و العُدَّة، لا بل و بالقتال معها جنباً إلى جنب إذا احتاجت إسرائيل لذلك.
و بعد أن أُعلن عن قيام دولة اسرائيل و الذي جاء في وقتٍ كانت فيه الدول العربية ما تزال تحت نير الاستعمار؛ الاستعمار الذي أنشأ إسرائيل و رعاها و أمدَّها بكل عناصر القوة.
و مع ذلك هبَّت الدول العربية مجتمعة تقاتل اليهود إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين ، ولكن ميزان القوَّة كان إلى جانب اليهود بسبب دعمهم بالمال و السلاح والرجال.
و استمر الحال من الحرب و اللاحرب حتى يومنا هذا، و إسرائيل تُعوِّل على قُوَّتها ، و على استراتيجيتها القائمة على نسيان قضية فلسطين مع تقادم الزمن و تبدّل الأجيال.
ولكنّ دوام الحال من المحال، فلا الضعيف يبقى ضعيفاً ولا الغني و الفقير يبقى كُلٌّ على وضعه. كما أنَّ الدول لها أعمار ، و هذه سُنَّة الحياة: بدايةً ثم قوةً بأوجها ثم النزول إلى النهاية.
إنَّ هذا ما نشهده اليوم فبعد أن وصلت إسرائيل إلى أوج قوتها ، و بيدها أحدث سلاح العالم، أخذت تُفكّر واهمةً أنَّ أهل فلسطين و الشعوب العربية قد نسوا قضيتهم بعد أن مرّ على القضية جيلانِ أو أكثر. و أنَّ الجيل الحالي يمكن أن يكون أقل انتماءً للقضية و للأرض. واليوم جميعنا يرى أنَّ الواقع بعكس ما تتصوَّر و تتمنى إسرائيل. فالعرب الضعفاء بدأ يتسرب السلاح الحديث إلى أيديهم ، و أنَّ الفلسطينيين يزدادون انتماءً و تعلُّقاً بحقهم وقضيتهم. وأنَّ كل فلسطيني يُعلِّقُ مفتاح بيته في فلسطين إمَّا في صدر ديوانه أو على أعناق أولاده و بناته.
و أنَّ العرب كل العرب كما هم الفلسطينيون أصبحوا أكثر تمرُّساً و جرأةً كما هي عادتهم على القتال والمواجهة.
أمام هذا الواقع الحالي بتشعباته، و أمام الظروف السياسية و الواقع العالمي المتناحر و أمام سيطرة القطب الواحد حالياً و الأوضاع العربية التي لا تَسُـر؛ جاء صوت العقل قبل سنوات و الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم أنَّ دولة إسرائيل و اعتمادها على ( أن تظل دولة القلعة ليست استراتيجية أبديَّة ) قالها جلالة الملك حتى لا تستمر إسرائيل بغرورها و حتى ترعوي لأنَّ التطرف الاسرائيلي الحالي لا يجلب معه إلَّا المزيد من زهـق الأرواح و الدماء.
إنَّ استشراف القادم من الأيام يُنبِيء بذلك؛ فالقوي لا يبقى قوياً ولا الضعيفُ يبقى ضعيفاً. و لعلَّ تغييب صوت العقل و التطرُّف لدى إسرائيل بدت تظهر نتائجـه، و قد يكون القادم عليها لا يسرُّها إذا استمرت تركب رأسها.
على إسرائيل أن تعلم أنًّ زمان أوّل حوَّل، وأنَّ التغيُّر لا يتوقف لأنه من سنن الحياة.
الكاتب: عبدالكريم فضلو عقاب العزام