خلاصة طبيعية تماماً، وقد تشكل ظاهرة اجتماعية وقانونية صحية، أن تختلف آراء المواطنين في الأردن بصدد مشروع قانون «الجرائم الإلكترونية» الذي صادق عليه الملك عبد الله الثاني مؤخراَ وسيصبح ساري المفعول ويدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية. طبيعي كذلك أن التأويلات المتباينة لمواد قانون تحولت إلى جدل واسع بين رافض له على خلفية ما ينطوي عليه من مخاطر تقييد حرية التعبير، وبين موافق عليه استناداً إلى موجبات مثل «توفير الحماية للحقوق والحريات العامة والخاصة من الاعتداء عليها كالإبتزاز والإحتيال الإلكتروني والحض على العنف والكراهية وإزدراء الأديان وإنتهاك حرمة الحياة الخاصة».
ويتألّف مشروع القانون من 41 مادة، إلا أن المواد 15 و16 و17 كانت الأكثر جدلًا؛ لما تضمّنته من «عقوبات مشدّدة» تتعلّق باستخدام الفضاء الإلكتروني، فهذه المواد تفرض عقوبات مشددة على حالات عديدة تعتبرها مخالفة، تقضي بالحبس فترات لا تقل عن 3 أشهر، وتفرض غرامات مالية تصل إلى 7 آلاف دينار. كما تضع «الأخبار الكاذبة» تحت تعريف عريض هو التأثير على «السلم المجتمعي والأمن الوطني» الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام اتهامات شتى وتأويلات فضفاضة. كذلك ينص القانون على أن الملاحقة في هذه الجرائم لا تحتاج إلى تقديم شكوى، إذا كانت موجهة إلى سلطات الدولة أو هيئات رسمية أو موظف عام أثناء قيامه بوظيفته.
لم يكن مستغربا بالتالي أن تخرج مسيرة إحتجاج في العاصمة عمان تطالب بسحب المشروع لأنه يؤدي إلى تقييد الحريات، شاركت فيها أحزاب ونقابات شعبية، ورُفعت خلالها لافتات مثل «قانون الجرائم الإلكترونية قتل للحياة السياسية». ترافقت مظاهر الإحتجاج مع بيان أصدرته 14 منظمة حقوقية دولية تتصدرها «هيومان رايتس ووتش» ينتقد القانون ويرى فيه تهديداً للحقوق الرقمية وتداول المعلومة وحرية التعبير.
جديرة بالتذكير حقيقة أخرى تضيف إلى إشكالية القانون وهي أنه ليس ابن اليوم تماماً، إذ سبق للحكومة الأردنية أن وافقت على مشروع مماثل يخص الجرائم الإلكترونية أيضاً، وتمّ تحويله إلى مجلس النواب لاستكمال الإجراءات القانونية التي تسبق إقراره من الملك، ثم اضطرت حكومة عمر الرزاز آنذاك إلى سحبه بطلب من المجلس حيث لم يحظ بتوافق كافٍ لجهة العقوبات الشديدة على وجه الخصوص، وكانت الأجواء الاجتماعية مشحونة باحتجاجات شعبية على تدابير التقشف.
وأياً كانت مقادير الصواب أو الخطأ في مواقف المعترضين على القانون أو القابلين به فإنه بات نافذاً بعد أن صدر بإرادة ملكية سامية، وهذا يضع على عاتق هيئات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات، خاصة تلك المشتغلة بالصحافة الرقمية والمواقع الإلكترونية، مسؤولية اليقظة الدائمة إزاء استغلال مواد القانون والاتكاء على ملابسات غامضة وافتعالية تنتهي بالفعل إلى تقييد حرية الرأي والتعبير. وبات معروفاً أن تفعيل التشريعات السيبرانية يعاني من إساءة التأويل حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية، والأجدى بعد إقرار القوانين هو تنظيم مقاومة فعالة تضعها تحت رقابة صارمة، تكفل حسن توظيفها وتحدّ من الشطط في تسخيرها لأغراض منافية للحقوق العامة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي