إن التهافت على الإنضام إلى مجموعة بريكس من خلال الإجتماع الخامس عشرة في جوهانسبرغ في إفريقيا الجنوبية من قبل دول عالمية فقيرة وغنية على حد سواء, ما هو إلا لضمان مستقبل إقتصادي مبني على العلاقات المتوازنة والمتكافئة والإحترام المتبادل بين الشركاء لما يخدم مصالح أعضاء المجموعة .
فالتقلبات الإقتصادية إرتهنت بالماضي بالأوضاع السياسية وهي التي أثرت تأثيراً مباشراً على نهج وخطط الإقتصادات الدولية, فكيف أن حصاراً إقتصادياً على دول معينة نتيجة لمواقفها السياسية أثرت بشكل كبير على إقتصادها بشكل خاص وعلى الإقتصاد العالمي بشكل عام, فالديون العالمية قفزت خلال عام 2022 بنسبة 30%, ليس هذا فحسب بل إحتجاز أصول خارجية لدول بسبب سياسات خارجية لا تتماشى مع القطب الواحد,مما دعا دول العالم إلى التفكير بطريقة آمنة في تعاملاتها الإقتصادية وتبادلاتها التجارية لحماية إقتصاداتها خلال خططها المستقبلية, وهذا إن تحقق سيعيد التوازن والإستقرار إلى الإقتصاد العالمي الجريح.
إن الإجراءات الإقتصادية الأحادية من دول القطب الواحد وفرضها على العالم قد تسبب كارثة إقتصادية ليس على هذه الدول فحسب بل على العالم بأكمله في حال فشلها, وقد رأينا كيف أن شبح الركود أصبح يطارد الإقتصادات العالمية,نتيجة سيطرت عملة واحدة على العالم , فإجراءات الفيدرالي الأمريكي على رفع الفائدة على الدولار ل11 مرة أضرت بإقتصادات الدول الفقيرة وإقتصادات الدول الناشئة, لأن متغيرات ومتطلبات الإقتصاد الأمريكي لا تتماشى مع بقية دول العالم, فما حصل مؤخراً نتيجة رفع الفائدة على الدولار أثر على دول العالم بالسلب من حيث:
1. قلة الإستثمارات العالمية خصوصاً في الدول الفقيرة وذات الإقتصادات الناشئة, وذلك للعائد المرتفع الذي يقدمه الفيدرالي على الدولار للمستثمرين.
2. زيادة خدمة الدين على الدول المقترضة.
3. تباطىء النمو الإقتصادي لدول العالم لإرتفاع كلفة الإقراض لدعم الصناعات والشركات.
4. رفع تكاليف الحياة على المواطنين من أسعار السلع الغذائية والسلع الأخرى والخدمات .
فبعد كل هذه التأثيرات السلبية على دول العالم , لم تتضح معالم السياسة الإقتصادية الأمريكية التي لا تزال مبهمة سيطر عليها دعايات إنتخابية بين حزبين متناحرين, فلم تكن النتائج المعلنة على الملأ واضحة بل كانت تصب بصالح الحزب الحاكم, فما أشارت إليه التصنيفات الإئتمانية الأخيرة للإقتصاد الأمريكي وتراجعه, دق ناقوص الخطر, ورافقه تصنيفات البنوك المتراجعة والتي ستعيد ذاكرة العالم لعام 2008 عندما وقع العالم بأزمة إقتصادية كلفته 1500 مليار دولار للخروج منها.
فالقرارات الإقتصادية وخاصة الفيدرالية تأتي في وضع صعب والمتغيرات المتأثرة بذلك أصبحت لا تصب في صالح الإقتصاد الأمريكي وبإعتقادي أن هناك إنهيارات بنكية قادمة في نهاية هذا العام وركوداً إقتصادياً سيتحقق.
إن الضبابية والتعقيدات الإقتصادية التي تتسيد المشهد العالمي ألقت بظلالها على إجتماع بريكس هذا كونه سيوفر أجواءً متزنة واضحة لمستقبل لا يرتهن بالسياسات الدولية أو يبنى على عملة واحدة تصب بصالح قطب واحد, حيث سيوفر بريكس ملاذاً آمناً لإستثمارات وصناديق سيادية تضمن تحقيق أرباحاً حقيقية من خلال دعمها للصندوق الإنمائي الذي أنشأه بريكس لدعم دول الأعضاء.
ولا يفوتنا أن نذكر في هذا السياق تصنيف الديمقراطية في العالم وطرق الحكم على الدول من منطلق ووجهة نظر واحدة ,فالدول الغير ديمقراطية ستدخل في مرحلة معاناة إقتصادية سيدفع ثمنها شعب تلك الدولة بسبب إختلافات سياسية لا تصب في صالح القطب الواحد, وهذا ما نقضه إجتماع بريكس , فما سيحققه بريكس بتمدده بإنضمام أكثر من 40 دولة ما هو إلا مؤشراً لما تعانيه هذه الدول على إختلاف قوة إقتصاداتها , فهي ترغب بوضوح الرؤية الإقتصادية في المستقبل التي لا ترتبط بأي إجراء سياسي سواء كان داخلياً أم خارجياً, فالنظام الإقتصادي العالمي الجديد قادم لا محالة رغم أي محاولات لإفشاله , وعلى كل من يعارضه أن يحاول الإنخراط به وتقويم أخطاء الماضي للوصول لعالم إقتصادي أكثر إتزاناً وإستقراراً.
الخبير والمحلل الإستراتيجي
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddain@jobkins.com