أ.د رشيد عبّاس - بصراحة قرأتُ العشرات من كتب الإدارة من الجلدة إلى الجلدة كما يقال, وحفظتُ أسماء جميع المؤلفين لهذه الكتب, وأكثر من ذلك قرأتُ جميع مقدمات هذه الكتب كلمة كلمة, وتصفحتُ فهارسها ومراجعها, وفي النهاية تقدمتُ في المرة الأولى لامتحان تنافسي في الإدارة ورسبتُ فيه, وكان الامتحان يتكون من سؤال واحد فقط ينص على: لو كنت مديراً لاحد الدوائر, أي نوع من الكراسي تختار لتجلس عليه.. الكرسي الثابت أم الكرسي الدوّار؟ كانت إجابتي للأسف الشديد الكرسي الثابت.
بعد فترة اعلنت الجهة المعنية إعادة الامتحان التنافسي في الإدارة, وخوفاً من أن اقع في نفس الخطأ الذي وقعت ُ فيه في المرة الأولى قررتُ أن لا أقرأ أي كتاب في الإدارة.. وقبل الامتحان بيوم دعيتُ لحفلة عشاء عند احد الأصدقاء, وتفاجأت حين وصلت لهذه الحفلة أن العشاء كان جلوساُ على الأرض, وأن هناك العشرات العشرات من أصناف الطعام موزعة بـ(الصحون) و(الجاطات) و(الصواني), وأن جميع المدعوين يجلسون على الأرض العشبية النادية.. بين تلك الصحون والجاطات والصواني العديدة, ولكي تأكل من جميع الاصناف عليك الالتفاف والتموضع وتغيير جهة جلوسك من جديد في كل مرة, وفي كل مرة من هذه الالتفافات تجد نفسك أمام مدعو جديد مبتسما لك, ويقول لك تفضل.
اثناء مغادرتي لهذه الحفلة الجميلة, وفي الطريق أدركت لماذا رسبتُ في الامتحان التنافسي المرة الأولى, وأن اختياري للكرسي الثابت كان خطأ جسيم قد وقعتُ به, وأن الإجابة الصحيحة كانت تكمن في الكرسي الدوّار.., وبات من وقتها هيئة وشكل الكرسي الدوّار يخيّم على مخيلتي طيلة الطريق, إلى أن جاء موعد إعادة الامتحان التنافسي في الإدارة.
دخلت للامتحان.. وكان السؤال هذه المرة حول: لو كنتَ مديراً لاحد الدوائر, وأردتَ أن لا تكشفَ عيوب الآخرين, أي نوع من الكراسي تختار لتجلس عليه.. الكرسي الثابت أم الكرسي الدوّار؟ وضعت مباشرة ودون أية تفكير أو تردد الكرسي الدوّار.. ورسبتُ للمرة الثانية.
عندها عرفتُ وأيقنتُ تماماً أن (الإدارة) هي أن تدير المشهد دون كرسي..
دمتم بخير.