زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا يوجد في آخر حوادث مدينة معان الجنوبية “صاحب مناسبة” يمكن للسلطات الأمنية الأردنية اعتقاله تعزيراً وتأديباً لأن رصاص الابتهاج غير القانوني أطلق في فعاليته الاجتماعية.
ولذلك سبب؛ فصاحب المناسبة نفسه وفي حادثة معان الدرامية الأخيرة توفي أو قتل جراء رصاص الاحتفال الذي أطلقه محتفلون به وهم يجهزون لـ “حمام العريس”. طبعاً، باشرت السلطات التحقيق وتم ضبط السلاح ومطلق الرصاص. لكن وفاة العريس الشاب والشرطي حمزة الفناطسة قد تؤدي سياسياً وتشريعياً ووطنياً ولاحقاً بالتأكيد “إجرائياً”، إلى فتح الحكومة والبرلمان للملف المسكوت عنه، والذي طالما تهربت منه الحكومات المتعاقبة بعيداً عن جزئية “رصاص الفرح” وإطلاق العيارات النارية في الاحتفالات، وهو ملف “السلاح الفردي غير الشرعي بيد الأردنيين” أو السلاح الفردي المرخص الذي “يستعمل خلافاً للقانون”. طرقت حادثة مقتل شرطي شاب وعريس في مدينة معان جنوبي البلاد كل جدران الخزان وسط الأردنيين.
والأرضية الشعبية والجهوية والمناطقية مؤهلة الآن بسبب دماء العريس الشاب حمزة فناطسة والدراما الإنسانية التي رافقت وفاته إلى “الإصغاء” للسلطات كما لم يحصل من قبل عندما يتعلق الأمر بجزئية “إطلاق عيارات نارية” بقصد الابتهاج. ارتفع حجم الأسف والشعور بالخسارة كما لم يحصل من قبل حتى في أوساط العشائر الأردنية بعد واقعة الفناطسة وحمام العريس، والذهنية العامة مرشحة للاستجابة والتفهم الآن بعد توسع غير مسبوق في المستوى الشعبي لظاهرة “شجب ثم استنكار” استعمال الرصاص تعبيراً عن البهجة والاحتفال.
بيان الأمن العام الذي يعلق على الحادثة يستلهم جوهر المسألة ويوحي ببعض ملامح “خطة ما” ستولد على شكل بناء شامل، فكرتها على الأرجح سياسياً وإعلامياً ووطنياً ستكون الذهاب إلى مسافة لم تذهب إليها المؤسسات الأمنية سابقاً بخصوص الظاهرة ونتائجها، فعدد الأردنيين الذين يقتلون أو يصابون جراء الرصاص العشوائي أكبر بكثير من أي إمكانية للتواطؤ مجدداً. لذلك، تحدث بيان الأمن العام بعد قصة الفناطسة، العريس الضحية، عن “وأد العادة القاتلة” ثم استعمل صيغة “هي الآن حربنا وثأرنا في إطار القانون وبسيف العدالة”.
“الثأر” مفردة لم يسبق أن وردت في بيانات أمنية، وكذلك مفردة” سيف العدالة”. وأغلب التقدير أن أحداً في المجتمع بعد واقعة الفناطسة ودلالاتها الإنسانية الجارحة لن يجازف بعدم تفهم أي إجراءات ستقررها السلطة لاحقاً في سياق “الثأر وسيف العدالة” أو حتى بعدم التعاون معها في إطار القانون.
عملياً، لم يشرح الأمن العام مقاصده في المنقول عنه عبر قنوات الإذاعة التابعة له. لكن يفهم سياسياً من السياق أن حادثة الفناطسة قد تؤسس ثم تؤرخ لعملية أمنية وقانونية أوسع بكثير من كل التوقعات بعد الآن، وهي عملية قد لا تقف عند حدود “إجراءات ضد مطلقي العيارات النارية العشوائية” ومراقبة ما يحصل في الاحتفالات.
هل يعني ذلك شيئاً محدداً؟ سؤال من الصعب الإجابة عنه الآن بانتظار ما ستسفر عنه المشاورات السيادية وتلك البيروقراطية، وإن كان الاسترسال في الحديث عن “وأد العادة القاتلة” قد يقود جميع مؤسسات القرار الأمني إلى نقطة حرجة أو “مسكوت عنها” في الماضي لعقود، اسمها ليس ظاهرة إطلاق العيارات النارية بل “ظاهرة وجود السلاح نفسه”.
في المأثور المرجعي الملكي تعبير شهير قبل سنوات بعنوان “لو ابني أطلق الرصاص.. اعتقلوه”.
وفي المنقول من التوجيهات تأكيد ملكي تلو الآخر على “التصدي لظاهرة فوضى إطلاق العيار الناري” وفي استجابات اثنين من مديري الأمن العام على الأقل مؤخراً رسائل علنية تتحدث بنفس الموضوع إلى جانب “استنزاف” حوادث السير. وكانت مديرية الأمن العام وقبل نتائج الثانوية العامة قد أعلنت أن لديها أجهزة متطورة تكشف عن منطقة إطلاق العيار الناري، وتوعدت بإيقاف مطلق النار وصاحب أي مناسبة تطلق فيها رصاصات البهجة. لاحقاً، تم الإعلان عن اعتقال 35 متورطاً في حوادث إطلاق عيارات نارية. وإحدى المحاكم ولإظهار خشونة القانون، حكمت بتهمة الشروع بالقتل في حالة معروضة. حدث ذلك قبل حادثة “عريس معان”.
لكن بعد واقعة الفناطسة، أغلب الظن ستتغير المعطيات ما دام الأمن العام بدأ رحلته الجديدة مع “إخضاع الجميع للقانون” بمفردات مثل “وأد وثأر وسيف العدالة”. وذلك لوجستياً وأمنياً وقضائياً، يعني الكثير. ووطنياً، قد يعني في مرحلة ما ضرورة الانصراف وعلى مستوى “مجلس السياسات” المركزي الموجه لأجهزة الدولة إلى مساحة تضطر فيها المؤسسات السيادية لمناقشة ملف “السلاح بجيب ويد الأردنيين”، الأمر الذي -إن حصل- سيثير نقاشات قاسية سياسية الطابع وقد يفتح المجال أمام “تفكيك أزمة مجتمعية” جديدة بتفسيرات قد لا تكون منطقية شعبوياً أو حائرة إلى حد بعيد.
ترجمة تعبيرات “وعد الأمن” الجديد فوراً تصل في نطاق لوجسيتي -فني-أمني سيوسع من نطاق “الرصد والملاحظة ثم الملاحقة” لأي حادث في المملكة يتم خلاله إطلاق عيارات نارية عشوائياً وبصرف النظر عن المكان والمناسبة.
لدى مديرية الأمن العام “قدرات عملياتية” كبيرة في هذا المجال ستلجأ إليها ومعها بـ”غطاء قانوني” باسم “منع ارتكاب الجريمة” والوقاية الأمنية، ما يؤهل قواتها وعناصرها للحرب أو المواجهة الجديدة؛ بمعنى تغيير المفهوم العملياتي الجنائي والوقائي في الاحتفالات الشعبية والاجتماعية حتى قبل وقوع جريمة مماثلة لما حصل مع الفناطسة.
فوق ذلك، ثمة “ترسانة قوانين وتشريعات” بعنوان حماية المواطن والمجتمع متاحة لكي تقوم بقية مؤسسات الدولة وسلطاتها بواجبها، خصوصاً جهاز الادعاء التابع لوزارة العدل والمحاكم القضائية بغلاف تغليظ العقوبات في الحالات المماثلة أو استخدام العقوبات القصوى.
كل ذلك تتيحه “الفضاءات القانونية” والتشريعية الموجودة الآن. لكن إذا توفر “غطاء سياسي مرجعي متوافق عليه” لمسألة “وأد العادة القاتلة” ستقف مؤسسات الدولة جميعها عند “حواجز مثيرة وحساسة” سياسياً وأمنياً واجتماعياً ومناطقياً لا بد من تخطيها، وقد – نقول قد – تحتاج لتعديلات تشريعية.
«القدس العربي»