يستحوذ الحديث اليوم عن القبولات الجامعية الهم الأكبر عند الأردنيين، وهو حديث يتكرر كل عام، مقرونًا بالأمنيات والرغبات التي يريدها الأهل لأبنائهم، وفي الواقع لدينا تضخم وتشوه راهن في القبولات، ولا بدّ من تغيير رغبات الأهل وتوجهات الطلبة قبيل الالتحاق بالجامعة، والحديث عن تصحيح مسار القبول الجامعي في الطب أمر غاية بالأهمية وليس ترفًا أو كلامًا للتداول وحسب، بل هو تعبير حالة المجتمع وازماته الراهنة التي اسهمنا جميعًا في صناعتها، وادرنا ظهرنا اليها كثيرًا ولم نواجه تداعياتها المستقبلية وهي تداعيات ذات نتائج صعبة.
قرار وزير التعليم العالي الأخير يبدو أنه جاء في مواجهة كل اسباب المشكلة التي صُنعت بأيدينا جميعًا. فأنتجت جملة مشاكل ومنها: مشكلة البطالة المنتظرة، والطموح في غير مكانه، والانفاق العالي وخسارة العملة الصعبة، والذهاب للخارج لبلدان حصل بها صراع ثم قبل طلابنا فيها في جامعاتنا، ونتج عن كل هذا مشكلة بين القطاع الخاص والتعليم العالي، عنوانها: حلال على جامعات الخارج التي نعرف أنها ضعيفة، وحرام علينا برغم الاستعداد لأي متطلبات جودة. وكل ذلك أنتج أزمة أردنية جديدة في الموارد البشرية.
أفصح وزير التعليم العالي د. عزمي محافظة أن قرار تخفيض مقاعد الطب في الجامعات الأردنية الرسمية هو في صُلب المصلحة الوطنية وهو قرار حاسم ونهائي ولم يكن القرار الا بعد استشعار الخطر والأزمة التي بلغتها الطاقة الاستيعابية في كليات الطب التي بلغت 150%، حيث يوجد على مقاعد الدراسة اليوم نحو 20 ألف طالب في الأردن وهناك 8 آلاف طالب يدرسون في الخارج منهم نحو خمسة آلاف طالب في جمهورية مصر.
المشكلة التي أراد محافظة مواجهتها دون ارتياب هي ترشيد القبول في الجامعات الرسمية، وفي المقابل هناك حاجة الى فتح أو رفع نسبة عدد الطلبة المقبولين في الجامعات الطبية الجديدة للأردنيين، خاصة ان ترخيص تلك الجامعات وكليات طب الأسنان يقضي أن لا تقبل أكثر من مئة طالب حسب شروط الترخيص، وهو أمر كان يُمكن اعادة النظر به بعد مرور نحو عام على التدريس في الجامعتين الطبيتين وبعد عام على تأسيس كليّات طب اسنان في جامعات خاصة.
نحن اليوم امام أزمة عنوانها تشدد يراه البعض عند وزارة التعليم العالي؛ لأنها تريد الحفاظ على قدرة الجامعات الحكومية في التعامل مع المقبولين بها من طلاب الطب وترشيد اتجاهات الناس .
وهناك ضغط مجتمعي شديد للتوسع بالقبول، ويجب ان لا تخضع له الوزارة ولا الجامعات. وفي المقابل يقول الناس ان هذا يدفعهم لإرسال ابنائهم الى الخارج وبالتالي خسارة المزيد من العملة الصعبة، خاصة في ظل محدودية عدد المقاعد في الجامعات غير الرسمية في الأردن.
هناك واقع صعب لا يمكن ادارة الظهر له. وهناك قبولات في الجامعات الرسمية اغلبها مقاعد مكارم وحصص وكوتات وهي لا تغطي كلفة تدريسها. وهناك حاجة لدعم مسار الجامعات الخاصة الطبية الجديدة وبشروط معقولة لكي تتمكن من تعويض النقص في القبول في الجامعات الرسمية وتلبية رغائب الأهل والطلبة.