لم يكن يخطر ببال أحد أن القارة السمراء التي وقعت تحت الإحتلال الأوروبي لعقود سابقة , سيأتي يوماً وتقف بوجه من إحتلها ونهب ثرواتها لا بل وترك شعوبها يعانون الفقر والجوع والمرض, فمع الإنقلاب العسكري الذي حدث في غابون إذا كتب له النجاح سيصبح عدد الإنقلابات العسكرية في غرب ووسط إفريقيا 8 إنقلابات منذ عام 2020 وآخرها ما جرى في النيجر والتي لا زالت مشكلتها على المحك.
فغابون الدولة الإفريقية الغنية ببترولها ومعادنها الثمينة, ذات التعداد السكاني 2.34 مليون نسمة حسب تعداد عام 2021 وتتربع على مساحة 268 ألف كم مربع, والتي إستقلت عن فرنسا عام 1960 , والتي أشعل الوضع فيها فوز الرئيس الغابوني بونغو بالإنتخابات بولاية ثالثة وإتهامهه بتزوير الإنتخابات مما أدى إلى إنقلاب عسكري عليه, لقد أثرت حمى كورونا السابقة والحرب الروسية - الأوكرانية على العالم بشكل عام وعلى القارة السمراء بشكل خاص, حيث أدى زيادة مديونيتها وإرتفاع الأسعار الكبير عندهم وفقدان السلع والمواد وخصوصاً الإستراتيجية منها كالقمح والذرة والشعير وغيرها, ناهيك عن الجفاف الذي يتعرض له العالم نتيجة التغير المناخي والذي أثر على الزراعة في إفريقيا بشكل خاص , في حين تتصارع الدول العظمى لفرض نفوذها وهيمنتها العالمية ضاربة عرض الحائط لمسببات التغيرات المناخية.
لقد تلقت أوروبا ضربتين قويتين في إقتصادها , وبإعتقادي سيؤثر عليها بشكل كبير في السنوات القادمة , ويجعلها تعاني وبشدة , الضربة الأولى كانت الحرب الروسية- الأوكرانية وتبعاتها الإقتصادية من غلاء أسعار النفط والغاز لفقدانها المزود الرئيسي لها وهي روسيا والتي كانت تحصل على أسعار منافسة ورخيصة, إضافة إلى إستنزاف في موازنة الحكومات الأوروبية لدعم أوكرانيا وخطط التوسع في النفقات العسكرية والتسليح, أما الضربة الثانية فكانت تساقط حلفاءها في إفريقيا , والذين كانوا يشكلون مصادر للثروات الطبيعية التي تحتاجها المصانع الأوروبية لصناعاتها والحصول على مصادر الطاقة وغيرها من صناعات متنوعة لتعويض ما فقدته من الطاقة التي كانت تحصل عليها من السوق الروسي.
كل ذلك سيجعل من إقتصاد أوروبا على المحك إبتداءً من العام القادم , ما لم يكون هناك تغيير سريع في السياسة الأوروبية, إذ يجب على الإتحاد الأوروبي الخروج بمبادرة سريعة أولها إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية وعمل مبادرة سلام مع جارتها روسية, والإنفتاح على العالم بطريقة تشاركية قائمة على الإحترام المتبادل بين الدول وأن تكون العلاقات متكافئة معهم, فالوضع العالمي تبدل الآن, فقد رأينا بريكس كيف يتمدد ويضم له الدول الغنية قبل الفقيرة , فأوروبا بصناعاتها تحتاج إلى مصادر الطاقة من الخارج وتحتاج إلى أسواق دائمة خارجية تسوق منتجاتها الصناعية وتحتاج إلى الحصول على المواد الخام من جميع دول العالم لإنعاش إقتصادها,إذ إن من أهم ثلاث مقومات لمدخلات الإنتاج لديها (المواد الخام,الطاقة والتسويق) جميعها مصدرها من الخارج , ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه يجب أن تتمتع أوروبا بمصداقية عالمية عالية وبناء علاقات مع دول العالم أساسها العدالة في التعامل خصوصاً القضايا السياسية العالمية, والإحترام للشركاء الدوليين وأن تكون العلاقة متكافأة معهم لضمان مستقبل إقتصادها ورفاهية شعوبها, فما يشهده العالم من ولادة أقطاب إقتصادية وسياسية جديدة أعطى البدائل لجميع دول العالم للإنضام إلى القطب الذي يحقق مصالح شعوبها.
الخبير والمحلل الإستراتيجي
م. مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com