بعد عام من التعب والإنجاز، ألا يستحق بعض النواب رحلة استجمام، على حساب المجلس، إلى إسطنبول؟
هذا ما حدث فعلا، ففي العشر الأواخر من شهر آب الماضي، (19-25) تم تنظيم قائمة بأسماء عدد من النواب ؛ أعضاء لجنة الصحة والبيئة، للمشاركة في أحد المؤتمرات في تركيا، فجأة تسابق نواب من خارج أعضاء اللجنة لتسجيل أسمائهم، حتى وصل العدد ل27 نائبا، بعضهم اصطحب زوجته أو أحد أقربائه، بالإضافة لعدد من موظفي المجلس، وعلى أربع رحلات، توجه 50 نائبا مع مرافقيهم، لقضاء أسبوع في ربوع اسطنبول.
لا أعرف، بالطبع، كم بلغت كلفة الرحلة، وهي -بتقديري- بعشرات الآلاف من الدنانير، لا أعرف، أيضا، إذا صبّت في مصلحة المجلس والدولة، أم أنها جاءت في سياق الترضيات، ما اعرفه أن رحلة أخرى للنواب إلى مصر جرت قبل ذلك، بمشاركة نحو 45 نائبا ومرافقيهم، وأن «عدّاد « السفريات كان مفتوحا على مدى العام الماضي، وشمل كل نائب بالبرلمان تقريبا.
حين دققت بأسماء النواب المشاركين في رحلة اسطنبول، تفاجأت بوجود خمسة من أعضاء كتلة الإصلاح (الإخوان المسلمين) ، وآخرين محسوبين على خط المعارضة، قلت : معقول أن عدوى الترضيات وصلت لهؤلاء النواب الأعزاء الذين أشبعونا كلاما عن حرمة المال العام، وانتقادا للحكومات، وسخطا على القرارات الخاطئة ؟ معقول أن يقبل هؤلاء بما سبق أن انتقدوه ورفضوه في قضايا السفريات وتوزيع الاعطيات ؟ معقول أن يكون كل الصراخ الذي سمعناه تحت القبة، دفاعا عن العدالة وحقوق الأردنيين، مجرد توزيع أدوار، واستهانة بعقولنا، نحن الذين كنا نعتقد أنهم يمثلوننا، ولا يمثلون علينا، ..معقول؟
لقد تفاجأت، فعلا، بما فعله هؤلاء النواب على وجه التحديد، ودون غيرهم، فهم ليسوا أعضاء في لجنة الصحة والبيئة النيابية التي ذهب بعض أعضائها للمشاركة في المؤتمر هناك، وهم يمثلون، أيضا، أهم الكتل البرلمانية التي أثبتت فاعلية كبيرة بالاداء خلال العام الماضي، وهم من أكثر النواب حساسية تجاه كل ما يتعلق بالمال العام، والإنفاق غير المشروع.
قلت : ربما يكون لدى رئاسة المجلس وأمانته ما يبرر تنظيم رحلة استجمام في نهاية الدورة البرلمانية لهؤلاء النواب وغيرهم، لكن لم اجد ما استطيع أن أُبرره لهم، وأتمنى أن أسمع منهم أي شيء يثبت خطأ ما قلته، وسأعتذر عندئذ لهم، لاسيما وأن هذه الرسالة التي وصلتنا منهم، سيقرأها الناخبون، بعد اقل من عام، في انتخابات افترض أن جردة حسابات التنافس عليها ستكون مختلفة تماما.
حين دققت، اكثر، بتوقيت السفريات وجدت أنها تزامنت مع الاستعدادات التي تجري لانتخابات رئاسة المجلس لعامه الرابع والأخير، وجدت، أيضا، أنها جرت على قاعدة «اركب معنا «، ولا علاقة لمعظمها بالمصلحة العامة، وقد حدث أن احد النواب المسافرين لحضور مؤتمر، مثلا، ذهب ولم يحضره، وجدت، ثالثا، ان قضية السفريات تحولت إلى عرف برلماني طبيعي، لا تثير أي استفهامات او نقاشات، وربما أصبحت حقوقا مشروعة لكل نائب، ولا تحتاج لأية مبررات من قبلهم، او من قبل المجلس.
كنت أريد أن أقول : يا خسارة، لقد خُدعنا من بعض نوابنا، لكن حين عدت إلى التقرير الذي نشره مركز راصد، قبل ايام، حول أداء البرلمان في عامه الثالث، اكتشفت ان خسارتنا أعمق من ذلك وأكبر، وأن مع الأردنيين «الحق» حين يصفقون لحل البرلمان، حتى قبل أن يُكمل مدته، ومعهم «الحق « حين يسحبون من النواب ثقتهم في كل استطلاع للرأي، تصور أن الكتلة الفاعلة في البرلمان لا تتجاوز نسبتها 25% من مجمل الأعضاء، تصور أن عددا من النواب لم يفتح فمه بكلمة واحدة تحت القبة طيلة عام، تصور ان ثلاث سنوات من عمر المجلس لم تشهد مناقشة أي استجواب، وأن جلسات الرقابة على أداء الحكومة كانت محدودة، مقارنة بالجلسات التشريعية.. إلى غير ذلك من المعلومات والأرقام التي تشير إلى أن أداء البرلمان كان متواضعا جدا.
لا عجب، ابداً، إذا كان هذا الأداء يستحق سفريات ورحلات استجمام كمكافآت للنواب، العجب العجاب هو أن يظل الأردنيون جالسين على» الكنبة « يتمنعون عن الانضمام للأحزاب، أو المشاركة بالانتخابات، ويتبادلون الشكوى واللطم، ثم ينتظرون مجلسا نيابيا جديدا ، يستحق أن يحظى بثقتهم وتصفيقهم أيضاً.