زاد الاردن الاخباري -
كتب الكاتب الصحفي حسين الرواشدة: ادفعْ ..واكسب مقعداً في البرلمان وقال الرواشدة: هل لديك "ملاءة "مالية ؟ إذا كانت الإجابة نعم ، فأنت مؤهل للتسجيل في قائمة الحزب كمرشح للانتخابات البرلمانية القادمة، أما إذا كانت الإجابة لا ، أو إذا كنت لست قادرا على تغطية حصتك بكلفة العملية الانتخابية ، وبشكل تصاعدي حسب الترتيب على القائمة ، فإن الحزب يعتذر عن عدم إنطباق شروط الترشح عليك ، لكن نرجوك ، ابق مخلصا للحزب ، وكرّس وقتك وجهدك في خدمته، تذكر ،دائما، أن المصلحة العامة تقتضي اختيار الأنسب ، ومَن أنسب من "اليد العليا "التي تدفع في مواسم عنوانها( ادفع واكسب)؟
هذا الذي ذكرته ، ليس مزحة ،ولا قصة من وحي الخيال ، لقد حدث فعلا ، وتم نشره على الملأ ، وموجود ،حتى الآن ،على الصفحة الرسمية لأحد الأحزاب ، لأول وهلة لم أُصدّق ما قرأت ، صحيح ، سبق وأشرت إلى تجارب لنا مريرة مع المال السياسي والانتخابات ، وأشياء أخرى مسكوت عنها، حول اختيار القيادات الحزبية على مسطرة من يملك المال ، لكنني لم أتوقع أن نكون وصلنا إلى حد "الجهر بالسوء"، والفخر به ، واعتباره إنجازا حزبيا غير مسبوق.
في الكتاب الذي وجهه أحد الأحزاب لرؤساء الفروع، حدد تسعة شروط (ذكر أن اللجنة المشكلة وضعتها) لتقديم طلبات الراغبين بالترشح على قائمة الانتخابات، استوقفني -على الأقل -شرطان، الأول : "أن يكون ذو سمعة طيبة" (انقل حرفيا ) ، تُرى هل يقبل الحزب أعضاءً سمعتهم غير طيبة؟ إذا كان كل الأعضاء يمتازون بالسمعة الطيبة ، فمن واجب الحزب أن يعتذر لهم عن هذه الإساءة ، الثاني : "أن يكون قادرا على تغطية حصته في كلفة الحملة الانتخابية، وتكون التغطية تصاعدية ،حسب ترتيب المرشح على القائمة" ، ما يعني أن لكل مقعد سعرا ، حسب الترتيب على القائمة ، وأن المقاعد محجوزة لمن يدفع أكثر، وبالتالي إذا(ما معك ما بلزمك).
لدي ثلاث ملاحظات ،أستأذن بتسجيلها، الأولى : كلفة الحملات الانتخابية يجب أن يتحملها الحزب، بما لديه من وسائل مشروعة لجمع المال، وبالتالي فإنها لا تقع ضمن مسؤوليات المرشح ، إلا إذا تطوّع أو تبرّع ، اعتبارها شرط للترشح يحصر قوائم المرشحين للبرلمان بالأثرياء والموسرين ، ويحرم منها الكفاءات الوطنية "الفقيرة"، وهذا يبعث برسالة إلى الأعضاء داخل الحزب ، والآخرين المترددين بالانتساب إليه، مفادها أن من يتحكم هو المال وأصحابه ، ولا عزاء لغير هؤلاء ،مهما بلغت طموحاتهم للتنافس على مقاعد القيادة ، أو أمام صناديق الانتخابات.
الملاحظة الثانية : ما فعله الحزب يُعدّ-حدّ علمي - سابقة لم نشهدها فيما مضى، لا أقصد ،بالطبع ،أن المرشحين لا يدفعون من جيوبهم لحملات الانتخابية، حتى لو شاركوا على قوائم الأحزاب ، ما أقصده أن ذلك لم يحدث كشرط للترشح ، أو معيارٍ للاختيار ، ما أخشاه أن تنتقل هذه العدوى غير الحميدة إلى الأحزاب الأخرى ، ثم تصبح تقليدا مقبولا ، خاصة ونحن أمام تجربة حزبية جديدة ، يفترض أن تكون أساساتها صحيحة وواضحة ، الأخطر ان عدم إدانتها ورفضها رسميا وشعبيا معا ، يمنح أصحابها داخل الأحزاب "صكّا" لتمريرها واعتبارها حقا مشروعا ، أو خطوه بالاتجاه الصحيح.
الملاحظة الثالثة : يَفتح شرط "الحصة المالية" بابين ملغومين ، الأول: باب المال السياسي الذي شكّل شبحا طارد معظم الانتخابات والمجالس البرلمانية، وجرح أداءها وسمعتها أيضا ، الثاني : باب الصراع على القوائم الانتخابية ، وهو ،هنا، أخطر ، لأنه سيفرز طبقتين داخل الأحزاب، طبقة ثرية تتغول وتتمدد، وتمسك بزمام القرار ، وتستحوذ على مقاعد البرلمان ، وطبقة "أقل حظا" ، محرومة من الوصول إلى المقاعد الأمامية ، تُسند اليها مهمة العمل في "الحقل "، ثم جمع المحاصيل "الشعبية" ، ولا مكان لها ، أو نصيبا على البيدر.
من هذين البابين ،وربما غيرهما، ستدخل عواصف الانقسامات والتصدعات داخل الأحزاب ، وستضرب المظلومية ما تم بناءه من انسجامات وتوافقات، وستخرج من التربة الحزبية أحساك وأشواك يصعب اقتلاعها، كما سيخرج أعضاء دخلوا بكفاءتهم وقناعاتهم الوطنية للتجربة الحزبية ، وضرورة انجاح مشروعها، هؤلاء سيخرجون بعد أن اكتشفوا أن كل هذه المواصفات التي يمتلكونها غير مرحب بها، ما لم تتغط برصيد كبير في البنك … فعلا يا خسارة..!
حسين الرواشدة