للغش مواسم؛ ولا أبالغ لو قلت بأننا نمر بخريف فكري، يصبح معه الخرف السياسي هو الفكرة والمضمون، ولا يوجد تحت عين الكاميرا، سوى ثرثرة مهما ارتفع أو احتدّ صخبها، فهي لا تعدو عن كونها «حشدا» لظلال استطالت شائهة الملامح، لأقزام من كل الأعمار، يتاجرون بالفجاجة والفكرة والسلعة الزائفة قبل زوال وقت الغروب، الذي تعمّ بعده العتمة، ولا يثوي في العقل عندها سوى الصور والأصوات المغشوشة الزائفة.. دعونا من التزييف، ولنتحدث عن زيت الزيتون الأردني «الوطني»، الذي يمكن اعتباره موسوعة من روايات وقصص إنسانية، تعبر عن بركة الأرض الأردنية وجوارها وبركة السماء التي تظللها..
حسب لقاء جمعني قبل أسابيع مع تيسير النجداوي، نقيب نقابة أصحاب المعاصر الأردنية، فإنه من المتوقع أن يكون حجم انتاجنا المحلي من زيت الزيتون هذا الموسم، أكثر من حاجتنا المحلية بـ5 آلاف طن، حيث تبلغ قيمة الاستهلاك المحلي حوالي 28 الف طن، بينما المتوقع أن تكون كمية الزيت هذا العام أكثر من 33 ألف طن، وهي نسبة فوق الكمية المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من زيت الزيتون الأردني.
وقد توقع النجداوي أيضا أن لا يختلف سعر تنكة زيت الزيتون الأردني (التنكة 16 كغم)، عن سعرها الموسم الماضي، فهي ستتراوح بين 85 إلى 110، حسب درجة جودة الزيت، فهناك زيت بكر وزيت بدرجات حموضة أكبر، وثمة زيت مرغوب حسب مناطق وطرق العناية بشجرة الزيتون، وهي معايير محلية يتعامل معها الناس منذ زمن قديم.
المهم في هذه المقالة متعلق بزيت الزيتون المغشوش، وهذا الزيت إما أن يكون زيتا نباتيا آخر، تمت معالجته بطرق مختلفة ليكتسب شكل وطعم الزيت البلدي، أو أن يكون زيتا أصليا لكنه ليس من انتاج هذا الموسم، أي أنه زيت زيتون تم حصاده وعصره في مواسم سابقة، وقد تكون عدة سنوات، وثمة زيت آخر ليس أصليا، وهو خليط من الزيتين (الصناعي والأصلي القديم أو الأصلي الجديد)، وكلها يتم عرضها على أنها زيوت بلدية أصلية بكر، من انتاج زيتوننا لهذا العام، ويتم عرضها بأسعار مغرية، قد تبلغ 50 ديناراً للتنكة !.
المعلومة الأولى المهمة التي يجب تأكيدها في هذا الوقت، متعلقة بموعد موسم زيت الزيتون، حيث قال النقيب تيسير النجداوي، بأن النقابة ووزارة الزراعة، اتفقا على إعلان يوم محدد لبداية حصاد الزيتون، وهو يوم 25 تشرين الثاني، وهذا يعني أنه لا يوجد حتى اليوم زيت زيتون من انتاج هذا العام، حيث شاهدت أمس مجموعة كبيرة من الإعلانات الدعائية، عن زيت زيتون أصلي من انتاج هذا العام، وهذا خطأ بل كذب ونصب على الناس.
وقرأت من بين هذه الإعلانات، ما يدّعي بأنه يبيع زيت زيتون «فلسطيني»، وهذه كذبة وادعاء بل واتهام لوزارة الزراعة في نفس الوقت، فالمعروف أن وزارة الزراعة تمنع استيراد زيت الزيتون منذ سنوات، وفي حالة «فلسطين الصامدة»، فبالكاد يستطيع المواطن الفلسطيني القادم من فلسطين باتجاه الأردن، بالكاد أن تسمح له الجمارك الأردنية بإدخال تنكة زيت واحدة، لغاية الاستخدام الشخصي، وربما تسمح في فترة ما من العام بإدخال تنكتين مع المسافر القادم من فلسطين إلى الأردن، فادعاء أي تاجر أو معلن أو «نصاب غشاش»، بأنه يبيع زيتا نابلسيا أو فلسطينيا، كذب وهذا ادعاء يثبت بأن زيته مغشوش «وما بسوى شلن».
أخذت بعض هذه الروابط الالكترونية، التي تتضمن اعلانات بيع زيت زيتون، على أنه أردني ومن انتاج موسم الزيتون لهذا العام، لكل من مدير الغذاء في المؤسسة العامة لحماية الغذاء والدواء المهندس أمج الرشايدة، ولمدير المؤسسة الكبير الأستاذ الدكتور الصيدلاني نزار مهيدات، ولم أكتب له أية مقارنة أو إشارة حول «الرز الغارق بالديدان»، ولا أي تحذير بأن يتم تسويق هذا الزيت المغشوش على المواطنين، فكلاهما يقوم بواجبه ويعرف دوره، ويقومان به، فلا مجال للغش والخداع والتضليل.