تعد هذه الزيارة الأولى للرئيس الأسد منذ نحو عقدين إلى الدولة الحليفة الجمهورية الصينية.
والصين هي ثالث دولة غير عربية يزورها الرئيس السوري بشار الأسد، خلال سنوات النزاع الظالم بحق سوريا منذ عام 2011، بعد روسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق، واللتين تقدمان لها دعما إقتصاديا وعسكريا غيّر ميزان الحرب لصالحها. كما منحته دعمها في مجلس الأمن الدولي عبر الإمتناع بانتظام عن التصويت على القرارات المعادية للحكومة السورية.
يرى المراقبون أن الدور المتعاظم للصين في المعادلات السياسية والإقتصادية حول العالم والذي تضاعف بعد الأزمة الأوكرانية، يمكنها من الإنخراط الإيجابي أكثر في واحدة من أعقد الأزمات الملتهبة في المنطقة وهي الأزمة السورية، عبر الإسهام في ترجيح كفة السلام والإستقرار وإعادة الإعمار في البلاد التي أنهكتها سنوات طويلة من الحرب الداخلية والتدخلات الخارجية.
وتندرج الزيارة في أفق التحولات التي يشهدها الحدث السوري، بعد الإنفتاح العربي وجملة التطورات في المواقف من الأزمة، ومن المؤمل أن تكون نقطة تحول في الحدث السوري وتداخلاته الدولية.
وإذا كانت سوريا هي "خط الصدع" في السياسات الدولية، فإنها تمثل بالمقابل إحدى خطوط التوافق والتحالف بين فواعل على خلاف مع أميركا.
زيارة الأسد تقول للعالم أن سوريا ماضية في خطها السياسي وتحالفاتها الدولية، وأنها تعول على التغير في موازين القوة في العالم، بوصفه رافعة للحدث السوري، تنقله من الصراع والحرب إلى السياسة، ومن القطيعة إلى التواصل، ومن الدمار والحصار إلى البناء والتنمية.
ويتقصّى السوريون إمكانية مساهمة الصين في فك الحصار والإستثمارات وإعادة الإعمار، في ضوء التحديات التي تواجه روسيا خاصة في هذا الإطار مع توالي العقوبات الغربية عليها بعد حرب أوكرانيا.
رغم أن ثمة تقديرات بأن حضور الصين في سوريا لا يزال على مستوى الدعم السياسي، ولم يتقدم كثيرا في باب الإقتصاد والتنمية، مقارنة بحضورها في الإقليم والعالم، إلا أن السوريين ربما يتقصّون دورا محتملا أو مأمولا للصين في حلحلة بعض الأزمات والاختناقات التي تواجه العلاقات السورية-العربية، وقد حضرت الصين في تحسين الموقف بين السعودية وإيران، وهذا مثال على قوة الدور والوساطات الصينية.
للصين دوافع إضافية في الحضور أكثر في أزمة إقليمية كبرى، وإذا احتدم الموقف بين بكين وواشنطن، فمن المحتمل أن تكون سوريا هي حيز مواجهة أيضا، ولو أنه لا مؤشرات جدية بهذا الخصوص.
من المتوقع أن تحسم الزيارة السجال الذي تتردد أصداؤه في التحليلات السياسية منذ فترة، حول موقع سوريا في مبادرة الحزام والطريق الصينية. ولن تقف الأمور هنا، بل ثمة مشروعات إقتصادية وتنموية أو خطوط إئتمانية تشكل أجندة اللقاءات والإجتماعات بين المسؤولين، منها ما تم الإتفاق عليه قبل الحرب السورية.
اما عن نتائج الزيارة وأهدافها كشفت عنها كلمات الرئيس الصيني «شي جين بينغ » وفق تقرير لشبكة «سي سي تي في» التلفزيونية الرسمية عن الاجتماع: «نعلن بصورة مشتركة إقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا، التي ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية»..وأضاف «في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سوريا، والدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين».
واعتبرت الصين أن الزيارة التي بدأها الرئيس السوري بشار الأسد، تشكّل فرصة لدفع العلاقات بين دمشق وبكين إلى «مستوى جديد».. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية : نرى أن زيارة الرئيس بشار الأسد ستعمّق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة بين البلدين، بما يدفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي