في 12/10/2020 شكّل السيد رئيس الوزراء بشر الخصاونة حكومته العتيدة من واحد وثلاثين وزيراً وخلال السنوات الثلاث الماضية من عمر هذه الحكومة تم إجراء سبعة تعديلات وزارية عليها وكان أخرها يوم أمس الثلاثاء 26/9/2023 ولسنا الآن بصدد إحصاء العدد الهائل للوزراء الذين انخرطوا في هذه الحكومة في ظلّ أوضاع مالية وإقتصادية سيئة للدولة تستدعي ضبط النفقات والمصاريف، ولكن لتسليط الضوء على الدلالات السياسية والدستورية لهذا الكَم من التعديلات غير المسبوقة في تاريخ الدولة الأردنية.
صحيح أن تعديل تشكيل الحكومات هو أمر ليس جديداً في الحياة السياسية للدولة الأردنية ولكن كانت التعديلات السابقة تُراعي معاييراً قِيمية سياسية للتوجّة الرسمي سياسياً واقتصادياً من خلال أجندة رئيس الوزراء ووزرائه إلى حدِّ ما، وتراعي أيضاً الشرعية الدستورية للتشكيل الوزاري الذي يتوجّب أن ينال ثقة مجلس النواب من خلال بيان وزاري يُقدم للمجلس يمثل خُطة رئيس الوزراء ووزرائه ويُناقش هذا البيان وهذه الخطة من قبل نواب الأمة ولا شكّ أن تشكيل الحكومة يكون جُزءاً من هذا النقاش وهذه الرقابة السياسية لمجلس النواب على السلطة التنفيذية.
هذان المعياران ( السياسي والدستوري ) كانت الدولة تراعيهما إلى حدٍ كبير في مسألة حجم التعديلات الوزارية التي تطرأ على تشكيل أي حكومة فتراعي بموجبهما أمرين مُهمّين:
الأمر الأول: إستمرار إنسجام الفريق الحكومي رئيساً ووزراء من حيث القدرة على العمل كفريق لتنفيذ برنامج الحكومة السياسية والاقتصادي والإداري في ضوء كتاب التكليف الملكي لها فلا تلجأ إلى تعديل التشكيل الوزاري إلا لضرورة استمرار الانسجام لتنفيذ برنامج مُحدد المعالم، فإنْ تبيّن لاحقاً أن بعض الوزراء ليسوا على انسجام مع هذا البرنامج أو التشكيل الحكومي أو ليسوا أكفاء لتنفيذ البرنامج فكان رئيس الوزراء يُجري تعديلاً أو أكثر لبقاء الفريق الوزاري مُنسجماً مع برنامج الحكومة، إلا أن هذه التعديلات لا يُمكن ولم يسبق أن شملت أكثر نصف أو ثلثي التشكيل الوزاري لأن هذه التعديلات تكون في هذه الحالة دليل دامغ على أن الحكومة فقدَت بوصلتها السياسية وتنكّرت لبرنامجها الوزاري ومحدداته وفقدت أدنى درجات الانسجام المطلوب في أي فريق عمل في أي قطاع أو مؤسسة حكومية أو أهلية.
الأمر الثاني: إستمرار المشروعية الدستورية، فالحكومة تكتسب الشرعية الدستورية بالتعيين من قبل الملك بموجب إرادة ملكية وفق أحكام الدستور وتكتمل هذه الشرعية لزوماً بنيلها ثقة مجلس النواب الذي يُمثل الركن النيابي في نظام الحكم وفق الدستور الأردني أيضاً، ولكن عندما تُصبح التعديلات على تشكيل الحكومة عادةً وروتيناً كاستبدال أعضاء اللجان ومجالس إدارة المؤسسات والشركات وتطال هذه التعديلات 80% من التشكيل الأساسي لمجلس الوزراء الذي نالَ الثقة الدستورية من قبل مجلس النواب على برنامجه وتشكيلته من الوزراء فنحن بلا شكّ أمام شُبهة دستورية حول انسجام هذا الواقع مع مرامي وغايات الدستور من وجوب نيل الحكومة ثقة مجلس النواب!.
ولا ينفع التبرير لدفع هذه الشبهة بأن نصوص الدستور أتاحت إجراء تعديلات على تشكيلة الحكومة لعدة أسباب وأهمّها سببان أحدهما سبب منطقي سياسياً وقانونياً والسبب الآخر تاريخي:
مِن حيث المنطق السياسي والقانوني فان التعديل من حيث اسمه ومعناه هو تعديل، أي تصويب ينال جزءاً من تشكيلة مجلس الوزراء ولا ينال أغلبها أو معظمها لأن التعديل إذا أصاب ثلث أو نصف تشكيل أي مجلس فنحن نكون أمام تغيير جذري وليس مجرّد تعديل وتصويب وإنْ كان المسمّى السياسي تعديلاً وتعديلات، وإذا استمرت التعديلات بهذا الشكل وشملت جميع الوزراء باستثناء شخص رئيس الوزراء فهل سنبقى أيضاً أمام مسمّى تعديل وزاري أم تغيير وزاري شامل؟!
ومن حيث التاريخ والسوابق السياسية فقد كان رئيس الوزراء حينما يرى عجز مجلسه عن تنفيذ برنامج الحكومة أو عدم انسجامه أو ضرورة تغيير عدد كبير من أعضاء مجلس الوزراء يلجاً إلى وضع الملك في صورة هذا الواقع ويضع استقالة حكومته بين يدي الملك أو يطلب الملك من رئيس وزرائه ذلك والملك في هذه الحالة إما أن يقبل استقالة الحكومة ويكلّف شخصاً آخر بتشكيل حكومة جديدة أو أن يقبل استقالة الحكومة ويكلّف نفس رئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة والشواهد على على هذه الحالة كثيرة جداً.
أما أن يبقى مسلسل التعديلات الوزارية مستمراً هكذا حتى لا يتبقّى من أصل التشكيلة الأساسية لمجلس الوزراء الذي نال الثقة الدستورية لمجلس النواب إلا شخص رئيس الحكومة فقط فهذا أمرٌ غير منطقي أبداً وبحاجة للمزيد من التقييم والدراسة سياسياً ودستورياً.