ينام العرب ليلهم الطويل وهم يبررون كل شيء بوجود مؤامرة، فإذا انهار بلد عربي تحت وطأة المظالم الداخلية قالوا مؤامرة، وإذا تحولت دولة من شبه فاشلة إلى فاشلة كليا قالوا مؤامرة.
المؤامرات موجودة بطبيعة الحال، ولا أحد ينكرها، لكن لماذا تنجح الأمم الثانية في التغلب على المؤامرات، ولا ننجح نحن، ولماذا تمر المؤامرات مثل عاصفة في حياتنا، ولا تدخل دولا ثانية.
هذا يعني أن هناك هشاشة تاريخية في البنية العربية، والكلام هنا تستثيره مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد مع التلفزيون الصيني المركزي حين استذكر واقع سورية قبل الحرب وقال بالحرف.."أنا أتحدث عن الوضع قبل الحرب، قبل الحرب كان معدل النمو في سورية في أفضل مستوياته وقريبا من 7 % وهي نسبة عالية جدا لبلد إمكانياته محدودة، لم يكن لدينا ديون، نحن لم نكن بلدا مدينا، كنا نأخذ قرضا ونسدد القرض مباشرة، كانت لدينا كمية كافية من القمح وكنا نصدر لعدد من الدول القمح، كنا نصدر الخضار والفواكه وكنا نطور صناعاتنا في بداية التطوير الصناعي عندما بدأت الحرب، لذلك أستطيع أن أقول بكل ثقة بأن توقف الحرب، وإعادة إعمار سورية سيجعل سورية أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب، وطبعا نحن الآن أمام تحد داخلي مرتبط بالحرب والحصار، ولكن أمام تحد خارجي مرتبط بالوضع الاقتصادي العالمي، آثار كورونا، آثار الحرب في أوكرانيا، كل هذه الأشياء أدت إلى ارتفاع كل الأسعار".
منطوق الرئيس السوري هو ذات منطوق كل الذين يتشيعون له، أي أن سورية كانت قوية جدا قبل الحرب، وتعرضت إلى مؤامرة كونية أدت إلى تدميرها برغبة من إسرائيل والولايات المتحدة، وشراكة أطراف عربية ودولية، وحين تسأل عن سبب المؤامرة يقال لك انها تنزلت بسبب مواقف سورية الوطنية ضد إسرائيل، ولرفض دمشق الرسمية التوقيع على أي معاهدة صلح مع إسرائيل، ولرعايتها تنظيمات مسلحة تتحالف معها، وتعمل ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ايا كانت دقة الكلام فلا يجوز تسفيه كل الذي حدث في سورية بكونه مجرد مؤامرة، وعلينا أن نسأل دمشق الرسمية عن الكيفية التي واجهت بها المؤامرة، ولماذا سمحت للمؤامرة أن تكبر وتتوسع وقد كان بإمكانها أن تستوعب الأحداث في سورية، خصوصا في البدايات في مناطق جنوب سورية، وقد زارت شخصيات عربية مهمة دمشق يومها سرا، في بدايات الربيع العربي، وقدمت وصفات لمنع توسع الأحداث، لكن دمشق لم تسمع يومها، واتجهت نحو العنف الدموي.
هذا يعني أن تذمر الرئيس من الوضع الاقتصادي الحالي، وخراب البنية التحتية، والحاجة ربما لما يتجاوز أكثر من 400 مليار دولار لاعادة الاعمار، لايجوز منطقيا تبريره بفكرة المؤامرة، لان سوء الإدارة في مواجهة أي مؤامرة، اسوأ من المؤامرة نفسها، هذا فوق أننا قبل الفوضى في سورية، وحتى هذا الوقت، لم نشهد إطلاق رصاصة واحدة من سورية على إسرائيل، برغم كل الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، حتى لا يبدو من ينتقد دمشق الرسمية، بمثابة المتحالف مع إسرائيل، وتلك قصة ثانية يراد الترويج لها برغم كل الدمار الإنساني الذي شهدناه.
سورية اليوم أصبحت ملعبا لكل الأطراف الدولية والاقليمية، أميركا، روسيا، إسرائيل، تركيا، إيران، والعداد مفتوح هنا لأطراف سرية وعلنية، ولولا البنية الهشة في سورية، بعيدا عن تفاخر الأسد بالوضع قبل الحرب، لما اطلت عاصفة المؤامرة على سورية، ولما نجحت، خصوصا، ان أخطر كلفة لا يتحدث عنها الأسد، لا تتعلق بكلف الأعمار، وإعادة البناء، بل كلفة اعادة صياغة الوجدان السوري الشعبي، بعد أن تشرد الملايين وتم الاستثمار في الكراهية الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية، وبعد أن أصبحت مناطق معينة في سورية بمثابة جزر مستقلة لجماعات وتنظيمات وأعراق وعواصم اقليمية دولية، لتكون هذه هي الكلفة الأكبر، التي لا يمكن حل عقدها بجمع المال، أو توفيره، بهذه السهولة التي يتحدث عنها الأسد في بقية مقابلته.