مع دخول الحرب الروسية –الأوكرانية شهرها العشرين حصل تحول مفاجىء وهو وقف الدعم الغربي لأوكرانيا وتركها وحيدة في ميدان القتال , حيث كانت القناعة الغربية بعد فشل الهجوم المعاكس قبل عدة شهور بأن الحرب التقليدية لن تنجح وأن معركة الإستنزاف العسكري والإقتصادي لروسيا قد فشت, فبعد أن ضخ الغرب قرابة 170 مليار دولار لأوكرانيا في حربها هذه ضد روسيا, أوقف الرئيس الأمريكي دعمه لأوكرانيا في ضائقة مالية أمريكية لم تشهدها البلاد منذ عقود مضت , كادت أن توقع البلاد في إغلاق حكومي , قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الولايات المتحدة.
ماذا سيفعل الغرب بعد كل ذلك هل يخرج على العالم ويعلن هدنة سلام في أوكرانيا ودفع الأوكرانيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع الغرب؟ أم سيكون هناك تغيرات مفاجئة في ساحة المعركة قد تشعل حرباً عالمية ثالثة , وذلك بتزويد الأوكرانيين بالأسلحة النوعية التي إعتبرت خطاً أحمراً لدى روسيا, فقد سمعنا تصريحات وزير الدفاع البريطاني اليوم نيته دراسة نقل إسطوله البحري الى البحر الأسود لحماية السفن التجارية من روسيا , وهذا يعني أنه قد يتطور الوضع بإستخدام الطائرات الحربية على متن هذه السفن وحاملات الطائرات والصواريخ الموجهه بدقة لإستهداف العمق الروسي والتي قد تحتوي على رؤوس من اليورانيوم المخضب, مما يشرعن إستخداف روسيا لصواريخها الفرط صوتية والمحملة بالرؤوس النووية لإستهداف العمق الإوروبي, وهذا أيضاً ما حذر منه اليوم نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيدف : "هؤلاء البلهاء يدفعوننا بقوة نحو حرب عالمية ثالثة."
يبدو أن المشهد العسكري للدعم الغربي لأوكرانيا قد إنتقل من الولايات المتحدة إلى بريطانيا , ووفقاً لصحيفة تليجراف البريطانية: " أن تصريحات الوزير البريطاني تمثل تغييراً في نهج الحكومة البريطانية في مناقشة تورطها العسكري علناً في الصراع ,في حين أن تقديم الدعم البحري لكييف من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد كبير في مسألة تورط لندن."
كل ذلك في ظل تفوق وسيطرة كاملة للقوات الروسية على مفاصل نقاط الإشتباك داخل الأراضي الأوكرانية والمرجح ضم روسيا لأراضي أخرى قبل نهاية هذا العام, وهذا الإجراء لن يمر مرور الكرام بالنسبة للغرب.
على الصعيد الإقتصادي , ما نراه الآن سيطرة كاملة روسية على أسعار النفط المرتفعة من خلال تخفيضاتها الطوعية مع السعودية مما يعني أن أمن الطاقة العالمي خرج من يد الغرب, وكذلك الأمن الغذائي العالمي أصبح بيد روسيا بعد سيطرتها على موانىء الأوكرانيين ومنعهم من تصدير المحاصيل الصيفية الإستراتيجية التي أُنتجت في الأشهر الماضية, كل ذلك يعني أن ثُلث المحاصيل الإستراتيجية الغذائية كالقمح والذرة وغيرها أصبحت بقبضة روسيا.
بعد كل ذلك لمصلحة من إستمرار هذه الحرب؟ هل هي لمصلحة الغرب وهم يفقدون أمن الطاقة وأمن الغذاء والتراجع الحاد في الإقتصاد العالمي بشكل عام والغربي بشكل خاص, أم لمصلحة الأوكرانيين الذين خسروا أراضيهم وشعبهم.
في الختام أصبح من الضرورة لجميع أطراف النزاع في الحرب الروسية - الأوكرانية الجلوس على طاولة المفاوضات , لإنهاء الحرب والإسراع في إصلاح إقتصاد العالم المتدهور , وشبح الركود المسيطرة أجواءه عليه , والإسراع في تبني مبادرات عالمية مشتركة في مؤتمر المناخ COP 28 والذي سيعقد الشهر القادم في الإمارات العربية المتحدة لإيقاف حرب كونية رابعة , بعد الحرب الأوكرانية وحرب الطاقة وحرب الغذاء.
الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com