يشهد العالم الآن إنعدام الرؤيا بسبب ضبابية كثيفة تسيطر عليه, في ظل خوضه لأربعة حروب هي الحرب الروسية – الأوكرانية وحرب الغذاء وحرب الطاقة وحرب التغير المناخي , وسنتطرق في هذه المقالة لهم جميعاً وكيفية تأثيرهم على الإقتصاد العالمي خلال المرحلة القادمة, في ظل تجاذبات ومحاصصات سياسية لا تزال مهيمنة بين الدول العظمى والتي نحن بأمس الحاجة الآن إلى تجنبها.
لنبدأ بالحرب الروسية الأوكرانية والتي شهدت في الآونة الأخيرة شحاً في التدفقات المالية التمويلية للأوكرانيين من الجانب الغربي وخصوصاً من الولايات المتحدة التي عانت من خطر الإغلاق الحكومي الكارثي لولا تدخل رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي, بتمديد فترة التمويل المالي لغاية منتصف تشرين الثاني القادم وقد أدى تدخله إلى الإطاحة به من منصبه, كل هذا في ظل ضائقة مالية تعاني منها الولايات المتحدة , حيث أسرعت اليابان إلى شراء 13 مليار دولار من الديون الأمريكية , لأن الصين تقوم وبشكل متسارع بالتخلص من سندات الديون الأمريكية والتي وصلت 822 مليار دولار قبل شهرين بعد أن كانت 1110 مليار قبل كورونا, وإضافة إلى التضخم الذي لا زال مرتفعاً وتصريحات الفيدرالي الأمريكي المتشددة بأن هناك رفعات أخرى قبل نهاية هذا العام, وهذا ما أشرت إليه في مقابلتي على قناه الشرق مع Bloomberg قبل خمسة شهور بأن الفائدة على الدولار ستكون بحدود 6% مع نهاية هذا العام.
كل ذلك والحرب الروسية- الأوكرانية التي أثقلت الغرب بتكلفة مالية بلغت حتى الآن 170 مليار دولار تقاسمتها الولايات المتحدة وأوروبا, فالأخيرة تعاني من إنكماش في إقتصادها الآن وبياناتها الإقتصادية خلال شهر أيلول الماضي تشير إلى دخولها بركود إقتصادي.
ما رأيناه خلال الأسابيع القليلة الماضية من إرتفاع في أسعار النفط الغير مبررة حيث إقتربت من 96 دولار , أما اليوم فقد وصلت حوالي 84 دولار للبرميل, فهذه التقلبات جاءت من تضاربات وتعميمات غير دقيقة من الغرب وأهمها إبراز النمو الإقتصادي الغربي الغير دقيق, أدى إلى زيادة الطلب على النفط في ظل تخفيضات طوعية أدت إلى رفع أسعاره بشكل كبير, خشية نقصان المعروض في الأسواق مما إنعكست هذه الإرتفاعات بالسلب على الإقتصاد الغربي , وهذه القرارات جاءت مدفوعة بتأثيرات سياسية بحتة خصوصاً في الولايات المتحدة بين حزبين متنافسين على السلطة ,حيث يتهم الحزب الجمهوري الحزب الديمقراطي الحاكم بالأداء الإقتصادي السيء الذي سيُدخِل البلاد بمرحلة الركود, نتيجة عدم السيطرة على التضخم وإرتفاع كلف الإستدانة لتمويل المشاريع الجديدة والتوسع في المشاريع القديمة وغلاء الأسعار وتكاليف المعيشة .
لم يكتف الإقتصاد العالمي بالحرب الروسية – الأوكرانية وحرب الطاقة فدخلت حرب الغذاء , نتيجة عدة عوامل منها الحرب الروسية- الأوكرانية ,لإستحواذ الدولتين المتحاربتين على ثُلث الإنتاج العالمي من السلع الغذائية الإستراتيجية , حيث ستزيد هذه الحرب من أسعارها في الفترة القادمة وهذا بطبيعته سيؤدي إلى زيادة في المجاعة العالمية, فهناك الآن قرابة مليار جائع في العالم حتى يومنا هذا ومرجح هذا الرقم للإرتفاع في المرحلة القادمة, في ظل تزايد المديونية العالمية وإقترابها الآن من 310 ترليون دولار .
وأخيراً لا ننسى الحرب الأقوى والتي تؤثر على الإقتصاد العالمي وعلى أمن الغذاء و أمن الطاقة وعلى جميع الإستثمارات القادمة في العالم , ألا وهي حرب التغير المناخي, فهي التي ستطيح بالوقود الإحفوري أي النفط في الفترة القادمة لإنقاذ العالم بالتحول بالكامل للطاقة النظيفة من طاقة هيدروجين أخضر وشمس ورياح والتحول للطاقة الكهربائية في التنقلات وخدمات البنية التحية و كل ذلك لمحاربة التغيير المناخي وخطر إرتفاع حرارة الأرض أكثر من درجة في العقدين القادمين, فعلى سبيل المثال أظهرت دراسة بأن أوروبا تحتاج إلى 2.1 ترليون دولار للتخلص من الوقود الإحفوري حتى عام 2040 ,ولا ننسى تأثير التغير المناخي بشكل كبير على الأمن الغذائي من التقليل في إنتاج المحاصيل الزراعية نتيجة الجفاف وظاهرة "النينيو" وهي تطرف الظواهر الجوية من إرتفاع حاد في درجات الحرارة صيفاً والأعاصير والفيضانات والظروف القاسية شتاء, إضافة إلى التقلبات في فصول السنة, كل ذلك سيؤثر سلباً على الإقتصاد العالمي وسيكلف التغير المناخي العالم من %3-5% من ناتجه المحلي الإجمالي سنوياً في الفترة القادمة, إضافة إلى الصعوبات التي سيعاني منها العالم, فأنظار العالم ستتجه نحو الإمارات العربية المتحدة والتي ستستضيف قمة المناخ العالمية COP28, فهي الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تم إفساده من حروب سابقة.
الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com