فلسطين وشعبها وقضيتها؛ ومهما صمت الصامتون، هي قضية الأمتين (العربية.. بكل أطيافها ومكوناتها وانتساباتهم العرقية والدينية سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين)، والأمة الإسلامية التي تؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا)، ومآلاتها، هي مستقبل هاتين الأمتين (دنيا وآخرة)، ولا أعتقد ولا أشكك بأن الأحرار حول العالم، وأن الشعوب العربية والإسلامية لا تريد تطهير فلسطين من الاحتلال، واستعادة المقدسات الإسلامية والمسيحية.
لا أريد أن أكون بلا عقل ولا منطق، وأتجاوز عن (كيف) المستحيلة في حسابات «البشر»، حين أحاول فهم نجاح الأبطال ال (1000) الذين تجاوزوا كل قيود وحدود القلعة الارهابية الصهيونية، ووصلوا إلى أهدافهم في غلاف غزة، لأنني وببساطة مقتنع بأن اليمين الصهيوني المتطرف، لا يبالي بحرق جزء من عصابته لينجح في مخططه الإجرامي، ولا يمكنني أن أستوعب بأن الذي حدث لم يكن مرصودا من قبل الطرف الآخر، ومن كل الجهات ذات العلاقة التي تدعمه، ولا يمكنني أن أعتبر هذه النتائج الباهرة التي حققها الفلسطينيون في دقائق، ستمر بلا أحداث كبيرة في فلسطين وفي المنطقة..
فالجريمة القادمة التي سيقوم بها اليمين المتطرف ويورط العالم فيها، إبادة جماعية نوعية أيضا، على طريقة المجازر التي عرفتها البشرية عنه، ضد الشعب الفلسطيتي الأعزل.
ومع كل تقديري واحترامي واعترافي بشجاعة ومصداقية المقاومة، وشرعيتها، وحقها، ودورها في كبح التطرف الصهيوني، إلا أنني لم أتمكن من اعتبار خطاب احد السياسيين أمس الأول، صائبا، حين خص الأردن وعشائره، دون غيرهم، بوجوب التحرك إلى الحدود الفلسطينية وبذل الدم، وذلك رغم إنصافه لهذه العشائر، بأنها أكثر من قدمت شهداء للدفاع عن فلسطين ومقدساتها، فالشعب الأردني وقيادته، قدموا شهداء من أجل فلسطين، وما زالوا يفعلون، ولا أعتبر أنه طلب شيئا مستحيلا أو غير مقبول، لكنه سياسي، ومسؤول، وكان يجب أن يوجه مثل هذا النداء قبل الأردن لجهات أخرى في دول الطوق.. مثل حزب الله، وسوريا التي ننتظر منها كل يوم (حقها الذي تحتفظ به، في الرد على الهجمات الإسرائيلية)، والعراق الذي بات تحت سيطرة وتحكّم ايران، التي تعلم بأنها أكثر جهة مستهدفة من قبل اليمين واليسار والوسط الإسرائيلي والأوروبي، وإلى مصر؛ التي نجحت اسرائيل في سرقة «نيلها»، وضربت أرضها أمس «معبر رفح».. وطلبه أيضا من جهات أخرى كثيرة، كدول الخليج العربي والمغرب العربي، التي انخرطت أو تنوي، للتطبيع مع الكيان الشيطاني، فهي أصبحت تملك هامشا واسعا للمناورة السياسية.. فكان حريا بهذا السياسي أن يطلب منهم هم، أن يجودوا بالدم والمال من أجل طوفان الأقصى وأبطاله أهل غزة، وذلك قبل أن يطلبها من الأردن وعشائره ومخيماته، فلا ولم ولن يتقاعس أحدا من الأردنيين، فهم، بعد فلسطين وشعبها، هم أكثر الجهات تضررا وألما من كل حدث ويحدث في أي بقعة في فلسطين، بل إن الأردن كان وما زال الهدف الكبير الذي يسعى اليمين الإسرائيلي له، وبأكثر من سيناريو يعرفها الجميع.
حتى وقت كتابتي للمقالة، لم يجر في العالم أية استجابة شعبية لطوفان الأقصى وتداعياته، كما يحدث من استجابة شعبية في عمان عاصمة الأردن، ولا أعتقد بأنه طلب «حكيم» من ذلك السياسي، في مثل هذا الظرف، سيما وأنه سياسي يدرك حجم اللعبة الكبيرة، بحق الأقصى، وفلسطين والأردن والمنطقة العربية كلها، ويفهم ما هو وضع الأردن وما هي حساسية ظروفه وموقعه وحجم المؤامرة ضده..
لا أحد يشكك أو يقلل من شدة ارتباط الأردن بفلسطين، ولا بحجم العبء والمسؤولية الملقاة على كاهل الأردن قيادة وشعبا وجغرافيا وديموغرافيا، وحتى أمس، وموقف الأردن صامد معروف، في كل مناسبة، بدعم فلسطين، واعتبارها «البوصلة»، التي تحدد بل وتقرر سياسات وتوجهات الأردن، وإيمان الأردن ملكا وشعبا، بحق الفلسطينيين بدولتهم ووطنهم فوق كل الحقوق، وأن الأقصى، «تاج» هذه الحقوق .. كمال قال الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش أمس وكل يوم.
حمى الله الشعب الفلسطيني في فلسطين وغزة، ونصرهم على المحتل المجرم.. وحمى الله الأردن وشعبها وسائر العالم العربي والإسلامي، فكلهم اليوم أمام تحد معولم جديد، يريد اليمين الصهيوني المتطرف أن يحقق من ورائه ألف هدف، ووفق الله السياسيين الأشراف لحسن إدارة هذه الأزمة.
هذا ليس وقت المراهقات السياسية ولا التثوير والشعبويات وإرباك الدول الصامدة على مواقفها بدعم القضية الفلسطينية، فالوضع متوهج كنفوس وقلوب الأردنيين وقلوب سائر الشعوب العربية.