حقيقة أنّني لست براضٍ تماماً عن العنوان ، لكن الواقع يحتّم عليك أحياناً أن تخرج عن صمتك و تهبط اضطراراً إلى مستوى منسوب بعضهم ، بل أنّ الابتعاد بقيَمِك إلى أبعد ما يمكن من المتخيّل من الانحطاط أصبح ضرورة حتميّه في هذا الزّمن التّعيس أهله .. و إن كنت لا أتقنه و أنا المحكوم لإنسانيّتي و عفويّتي ، الأمر الّذي دفعني رغماً عن أنفي منذ قرابة عامٍ مضى لاعتزال المشهد إلّا ما ندر ، و لا أعرف ما دواعي عودتي إليه و لم يبق منه و لا من العمر ما يُؤسف عليه ؟!!.. و لا ألومنَّ كلّ من هم على شاكلتي من الزّاهدين ..
لست راضياً و لست راضياً و لست راضيا بالثّلاث عن كلّ ما يدور حولي من إسفاف و سفول !!.. و لست بذاك الرّاضي أيضاً عن كلّ صاحب عقدة نقص لست طرفاً فيها و لا سبباً لأتحمّل نتائجها مجّاناً لوجه اللّٰه !!..
صحيح أنّنا اعتدنا الهزل ، و اعــتدنا المُقحمــين علـى الأدب و أهله من ذوي السّير الذّاتية الزّائفة ممن صنعتهم بعض الأقلام المأجورة من النّقاد و الإعلاميّين و غيرهم ، و اعتدنا كثيـراً كـذلك حــدّ التُّخمــــة تصــــدّر الطّــارئين المشهـــــد ، و تســابق المفـرغـــين و التّافهين و أصحــــاب القامـــــات الجوفـــــاء و أشــباه الأدباء و أنصافهم و الباحثين عن ذاتهم على المقاعد الأولى في المناسبات الثّقافيّة اعتقاداً منهم بأنَّ جلوسهم في الصّفّ الأوّل شيشكّل منهم قيمة ما في الوقت الّذي لِأرخص مقعد يشغله أيّ منهم قيمة تفوق أغلاهم سعراً ، في حين يُترك آخر ما بقي مــن مقاعــد لمُستحقّـي التّقــدير و الأجدر به -و إن كان هذا الأمر لا يشكّل شخصيًّا فارقاً عندي لأنّني أبسط من ذلك بكثير و أكبر- ؛ لكن أن يُساء تقدير الآخرين من قبل قائم على إدارة فعالية مهمّة و يَمنح الحديث و حقّ النّقاش لتلك الفئة الّتي أخذ توصيفها الحيز الأكبر من هذه الفقرة ظنًّا منه بأنّهم أصحاب الفكر الحقيقي و إقصاء الجالسين في أقصى المكان فتلك مــن الطّــوام !!.. و أعــزّي ذلك لأمــرين لا ثالث لهمـــا و أحلاهما مرّ :
- فإما أن يكون القائم على إدارة الفعّالية من خارج جسم المشهد الثّقافي و لا يملك القدرة على وزن الحضور و تثمين قيمة بعضه ، و بهذا أحسبه أيضاً طارئًا كأيّ طارئٍ على الأدب .
- و إمّا أن يكون ممّن يعانون تخمة الذّات و المصابين بداء الأنا المفرط ، و هذه الفئة الأخطر على الإطلاق ، فهي الوباء الّذي ما بعده وباء ، فهي لا تقبل غيرها من الأدباء و لا ترى إلّا نفسها في السّاحة .. فالأقزام بطبيعة الحال لا تحبّ أن ترى من يفوقها طولا !!..
و من المسيء أن تقوم على تنظيم فعاليةٍ جهةٌ رسميّة و هي المؤتمنه على المشهد و أهله و الّتي نَفترض حرصها و يُترك أمرُ قرار حجز المقاعد الأولى لغير مسؤولٍ ليوزّعها حسب أهوائه و علاقاته الشّخصيّة !!!.. !!!.. !!!..
.
.
و على هامش ما مضى -و كلّه زائل- ما زالت والدتي -أطال اللّٰه في عمرها- و شقيقاتي السّبع يذكّرنني على الدّوام بأنّ طيبتي المفرطة سبب الكثير مـن مشاكلي لا بل سببها كلّهـا . و قد حاولت عبثاً أن أتصنّع الغلظَة ذات عامٍ حينما شكوت مَن احتالوا عليّ بكلّ ما أملك من مال للقضاء ثمّ بعد سنين من السّعي في أروقة المحكمة و قبل النّطق بالحكم بيوم دخلت على القاضي أرجوه أن يحكم عليهم بأدنى عقوبة ممكنة بدلاً من حبسهم ثلاث سنوات !!.. و ما زال صديقي الأقرب أبو فارس و حتّى قبل أسبوعين من كتابة هذه المقالة يقول لي : «يا تيسير سيبك من الطّيبة اللّي إنت فيها، النّاس بتحب النَّفشة و بتحترم اللّي بشوف حاله عليها فلا تعطِ النّاس أكثر من حجمها يا أخي ، و كلّ ما تواضعت كلّ ما النّاس استسهلت حيطك و حطّـت مـن قيمتك ، أنا بنصحـك و انت حرّ سمعت و لّه ما سمعت للّي قالتها ليلي .. سيبك من العالم أمشِ و لا تلتفت لحدا». حينها قرّرت و بعد ثلاثين سنة من إلحاح أبي فارس عليّ بالنّصح أن آخذ برأيه و لا أعطي الآخرين أكثر مــن حجمهــم و أن أمضـي و لا ألتفـت لأحـد ، و قلت في بالي لأعمل بنصيحة أبي فارس و أبدأ منذ صباح غدٍ بتنفيذ المخطّط كما رسمه لي بالضّبط .. خرجت من المنزل مشدود القامة عابس الوجه مبرزاً صدري عن المنكبين مباعداً بين ذراعيّ و منطقة الخاصرة بذات المسافة الّتي أرى عليها أصحاب القامات الجوفاء هبطتّ بقدمي اليمنى من على عتبة المنزل المؤدّية للشّارع و أنا في كامل ثقتي و ما كدتّ لأبدأ حتّى هويت بكامل جسدي على الرّصيف و تحطّمت نظارتي الطّبّيّة ذات الإطار الأسود ، و تهشّم جسـدي النّحـيل و تركت لي الحادثة ندبة في ساقي اليمنى كعلامة أتذكّرها إن فكرت في الأمر مرّة أخرى .. و كأنّ الحياة تقول لي صراحـة « ما رح تزبط معك يا ابن مريم لا تعيدها مرّة ثانية و ارضَ بطبيعتك لأنّ النّرجسيّة فطرة كما الطّيبة فطرة أيضاً ، المشكلة ليست بك المشكلة في تفكير النّاس و نظرتها الدّونيّة و السّطحيّة جداً في تقدير وزن الآخرين» !!!..
.. اللّٰه يلعن أبوه زمن اللّي خلّى واحد طالع معلوليّة من الصّفّ الرابع (ج) يصــير أديب ، و آخر راسـب مـترك يصـير ناقــد ، و اللّه يلعن أبو المصاري اللّي مكّنت حمار من شهادة دكتوراة من على بسطة جامعة رخيصة ليُقــدّم على غيره .. و اللّٰه يلعن .. و اللّٰه يعلن .. و اللّٰه يلعن(نقطة) . أكثر من هيك كثير ناس راح تتحسّس روسها !!.. و اللّٰه يسامحك يا أبا فارس على هالنّصيحة اللّي كلّفتني ٨٥٠ دينار عالرّيق ثمن النظّارة اللّي تحطّمت ، نعــم هــيك سعرهــا لظروف نظــري و أسألوا ابتكوس شامي إذا مش مصدقين !!..
- و لا يطلع لي تافه يقول لي اتّق اللّٰه لا تسبّ الزّمن فالرّسول قال : [لا تسـبّوا الدّهـر فـإنّ اللّٰه هـو الدّهر] !!.. الدّهـر شــيء و الزّمن شيء آخر و الفرق بينهما كما بيني و بين أولٰئك السّفلة !!!..
و اللّٰه ماني عارف مقالي هذا صحّ و لّه غلط و لّه شو بالضّبط ما خلّوا في الواحد عقل أخوان الشّياطين ؟!!!... و ليعذرني المحترمون و هم كثر بالمناسبة رغم أنّ السّفلة أكثر بكثير للأسف !!..
------
تيسير الشّماسين / أحد النّاجين من تحت أنقاض الإنسانية
عمّان
الموافق
١٣ / اكتوبر / ٢٠٢٣