إنها غضبة جلالة الملك عبدالله الثاني، لكل ما يحدث للأهل في قطاع غزة والضفة الغربية، وما وصفه جلالته بعدوان وأعمال عنف تستهدف الأبرياء، جريمة حرب، انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني، وغيرها من الوصف الحقيقي لما يتعرض له الفلسطينيون منذ ثلاثة أسابيع ونيف، وهو ما أغضب جلالته وأحزنه لما يحدث وللأسف دون أي ردة فعل بل على العكس الرسالة الخطيرة التي وصلت للبلدان العربية أن حياة الفلسطينيين أقل أهمية من حياة الإسرائيليين، وفي ذلك جريمة تضاف للجرائم التي يعيشها الأهل في غزة والضفة الغربية.
كلمة جلالة الملك أمس في قمة القاهرة للسلام، التي استضافتها جمهورية مصر العربية في إطار الجهود المبذولة لوقف الحرب على غزة، بمشاركة قادة دول ورؤساء وفود عربية ودولية، علا بها صوت الحق وصدحت بها كلمات الوقوف مع الشعب الفلسطيني بحرفيّة المعنى وثبات الموقف، كلمة تحدث بها جلالة الملك بكل وضوح وشفافية ووضع حقائق على هذا المنبر الهام، معربا جلالته عن غضبه لما يحدث دون تحريك ساكن مجتمعات كاملة لا ترى في كل ما يحدث أنه جرائم حقيقية وحرب إبادة وجرائم بحق الإنسانية والطفولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
(تغضبني وتحزنني أعمال العنف التي استهدفت المدنيين الأبرياء في غزة والضفة الغربية وإسرائيل. عقاب جماعي لسكان محاصرين لا حول لهم ولا قوة. إنها انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني. إنها جريمة حرب)، واقع يضعه جلالة الملك أمام الجميع وتحديدا من يصرّ على تغييب الحق الفلسطيني بل والقضاء عليه، ما يجعل من الأمر خطيرا بل كارثيا، إن لم يؤخذ بالأولويات التي حددها جلالة الملك لأن يتم الأخذ بها وعلى الفور.
ليس هذا فحسب فقد وضع جلالته حقيقة غاية في الأهمية في قول جلالته (وعندما يتوقف القصف، لن تتم محاسبة إسرائيل، وسيستمر ظلم الاحتلال وسيدير العالم ظهره، إلى أن تبدأ دوامة جديدة من العنف. إن سفك الدماء الذي نشهده اليوم هو ثمن هذا الفشل في تحقيق تقدم ملموس نحو أفق سياسي يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء)، نعم لن تحاسب إسرائيل، والظلم سيستمر وسيدير العالم ظهره لما حدث، أي موقف هذا يا سيدي، وأي حقيقة تضيء بها عتمة القضية الفلسطينية هذه، وأي واقع تضعه تحت مجهر الاهتمام لكل ما يغمض عينه عنها، وأي حقّ لن يضيع ومُطلبه الملك عبد الله الثاني، كلمات بحجم المرحلة وخطورتها وحساسيتها، كلمات دون أدنى شك العالم قاطبة يجب أن يسمعها.
وفي رؤية حكيمة وضع جلالة الملك أولويات المرحلة، مؤكدا ضرورة الالتزام بها حتى لا يجد العالم نفسه أمام مزيد من الكوارث والجرائم، ذلك أن «اللامبالاة» بما يحدث حتما ستؤدي لمزيد من الكوارث ليس فقط على المنطقة بل على العالم، فلا بد من الوقف الفوري للحرب على غزة، وحماية المدنيين، وتبني موقف موحد يدين استهدافهم من الجانبين، انسجاما مع قيمنا المشتركة والقانون الدولي، الذي يفقد كل قيمته إذا تم تنفيذه بشكل انتقائي، وإيصال المساعدات الإنسانية والوقود والغذاء والدواء بشكل مستدام ودون انقطاع إلى قطاع غزة، وثالثها الرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين أو التسبب بنزوحهم، فهذه جريمة حرب وفقا للقانون الدولي، وخط أحمر بالنسبة لنا جميعا.
وفي هذه الأولويات بريق أمل للوصول إلى ما يهمد نار الحرب والدمار الذي يعيشه الغزيون الفلسطينيون، الى جانب أن «السبيل الوحيد لمستقبل آمن لشعوب الشرق الأوسط والعالم أجمع، للمسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء، يبدأ بالإيمان بأن حياة كل إنسان متساوية في القيمة، وينتهي بدولتين، فلسطين وإسرائيل، تتشاركان في الأرض والسلام من النهر إلى البحر»، حياة متساوية، هي الوصفة مؤكدة النجاح لقادم أفضل خالي من أي حروب وظلم وانتهاكات وإلغاء لكل معاني الإنسانية الحقيقية، وهذا يجب أن يأتي بالإيمان في هذا الأمر، وذلك يحتاج العمل بجدية كما قال جلالته.
كلمة جلالة الملك حملت وضوحا استثنائيا وتضمنت حقائق يجب أن يسمعها العالم، ومفردات يراها الجميع لكن لم ينطق بها لسان حق كما تحدث بها جلالته، كلمة هامة جدا، تحتوي وصفة عملية للوقوف مع الأهل في غزة والضفة الغربية.