معركة «طوفان الاقصى» تدخل اسبوعها الثالث.
و في الاسبوعين الماضيين امريكا واوروبا والعالم في اسرائيل.
استنفار غربي، وفي مقدمته واشنطن، وعلى اعلى المستويات سياسيا وعسكريا واعلاميا وماليا. و حضر بايدن ووزير خارجية امريكا بلينكن وزير الدفاع ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الالماني. و حضر الى تل ابيب قائد الاركان الامريكي، وكبار ضباط الجيش الامريكي واجهزة الاستخبارات الغربية. و حضر ايضا 2000 مقاتل من المارينز، وطائرات وبوارج وجسر جوي امريكي مفتوح لنقل الذخائر والاسلحة، والصواريخ.
و اسلحة المانية وبريطانية وفرنسية في طريقها الى اسرائيل.
و حتى الهند اعلنت عن دعمها لاسرائيل وتعهدت بتقديم مساعدات عسكرية وامنية. كلهم جاؤوا لينقذوا اسرائيل ولابادة غزة.
و القضاء على الف مقاتل من مقاومي حماس والفصائل الفلسطينية مؤمنون بعدالة القضية وحق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.
وكل ذلك لم ينجح في تمكين اسرائيل من رسم خارطة طريق للخروج من مأزق غزة الذي دخلته بعد عملية طوفان الاقصى.
اسرائيليا غزة بين خيارين : سياسيا تهجير سكان القطاع الى سيناء المصرية، وعسكريا حرب الابادة والمجازر اليومية والحصار والتجويع وقطع الكهرباء والدواء، وقصف المستشفيات والكنائس، والمساجد.
غزة اكبر سجن جماعي على الكرة الارضية. وما تمارسه اسرائيل عقاب جماعي، وخيارات وسيناريوهات اسرائيل كافية لاحداث انقلابات في علاقتها وتحالفاتها ومحورها في الاقليم. و مشروع تهجير فلسطينيي قطاع غزة قوبل برفض حاد من مصر والاردن. ورغم ان بايدن في زيارته الى تل ابيب واتصالات وزير خارجيته مع دول في الاقليم للترويج لسيناريو التهجير وتثبيته كخيار ثابت في حلحلة وتسوية حرب غزة.
حمام الدم في غزة كان كفيلا في تثوير الشارع العربي والاسلامي.. امتدت مسيرات الاحتجاج ضد اسرائيل وحرب غزة من عمان الى الرباط وباكستان و وماليزيا والقاهرة وتونس والجزائر، وعصفت في عواصم اوروبية باريس ولندن وامستردام وبرلين، وضربت في عاصمة القرار واشنطن، وهزت اركان البيت الابيض المتواطئ في حرب غزة ودعم اسرائيل اللامحدود.
عادت القضية الفلسطينية، وعاد علم فلسطين ليرفرف في شوارع المدن العربية والغربية.. والشارع العربي والاسلامي والعالمي امتلك ورقة ضاغطة على الحكومات، بما لا يمكنه من تجاهل لويلات وتداعيات الحرب الانسانية والاخلاقية، والدفع نحو وقف الحرب والضغط على تل ابيب وواشنطن لكي يتوقفا و يكفا عن سياسة الابادة و الاجرام الحربي.
ايام الحداد الثلاثة وتنكيس الاعلام التي اعلنتها حكومات عربية واسلامية بعد القصف الاسرائيلي المدمر والكارثي لمستشفى الاهلي «المعمدانية « في غزة قد نفدت، وماكينة القتل والتدمير والتهجير والقضف العشوائي مازالت شغالة على ابشع الصور والوجوه، والاشكال.
الشارع العربي قال كلمته، ومن الصعب تجاهل حالة الغضب العربي والنفير الشعبي والحشود الهائلة التي هبت نصرة الى غزة. و الحكومات استدركت ماذا يعني سياسة الصمت والسكوت على الجرائم الاسرائيلية، وما بعد غزة ؟ و خصوصا ان واشنطن وتل ابيب من بداية حرب غزة اول ما انقلبا على الحلفاء والاصدقاء في الاقليم، وشكلت سياساتهم وادارتهم للحرب احراجا لحكومات تلك البلدان.
و حملت الاحتجاجات وعودتها الى مدن عربية اشارة رمزية بالغة التأثير في تطورات الحرب وتداعياتها. فالقاهرة مثلا، من اعوام لم تشهد احتجاجات شعبية ضد اسرائيل وما يجري في فلسطين، ومصر في موازين وحسابات الجيوسياسة.. اولا، اكبر دولة عربية وثانيا، دولة مجاورة للكيان الصهيوني. و كذلك، الرباط المغربية، والدولة هناك دخلت في علاقات تطبيع فتية وحديثة العهد مع الكيان الصهيوني، ومظاهرات الرباط ومدن المغرب جماهيرية وحاشدة.
الشارع العربي يتعافى من حمى وفايروس التطبيع الجديد والقديم.. والشارع العربي يستعيد عافيته الوطنية والعروبية، ويستعيد الشارع عناوين ومعاني للنضال العربي، وحتى لا تنحرف البوصلة، ويجدول الشارع في كلمة واحدة اجابة عن سؤال.. من هو العدو الحقيقي للدول والاوطان العربية.. انه اسرائيل لا شريك لها.
و كما ان المظاهرات كشفت عن مناعة ذاتية عربية ضد موجات غسيل الدماغ والحروب الاعلامية والنفسية للتنكيل في العقل و الوجدان العربي، وزرع افكار تضليلة ومشوشة ومشبوهة نحو اسرائيل وامريكا، ومحاولة الترويج لثقافة ان الموقف من اسرائيل والتطبيع وجهة نظر، قابلة للنقاش والقبول والرفض.
الشارع العربي من الماء الى الماء عبر عن التفافه حول المقاومة ومحورها الاقليمي. ولربما هذا من انجازات حرب غزة، وما قد يحمل في قادم الايام من تزايد تداعيات حرب غزة والمشروع الامريكي / الاسرائيلي فلسطينيا واقليميا التفافا عربيا سياسيا وشعبيا اكبر حول المقاومة وقواها ومحورها في الاقليم.