زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - مسألتان ينبغي أن تؤطرا التحليل والقراءة أردنياً على الأقل ثم مصرياً عند محاولة الإجابة عن السؤال الذي تردد صداه سياسياً وإعلامياً في عمان: لماذا قرر الأردن «إلغاء» الزيارة التي كان سيقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن وترتيبات اللقاء الرباعي بحضور الرئيسين المصري والفلسطيني؟
المسألة الأولى مرتبطة بتقديرات الكلفة السياسية للقرار الأردني، الذي قال وزير الخارجية أيمن الصفدي إنه اتخذ بالتشاور مع مصر والسلطة الفلسطينية وأيضاً مع واشنطن.
وهنا يبرز أن قراءة المطبخ الأردني أشارت بوضوح مبكراً إلى أن «اللقاء الرباعي» لو عقد في عمان بعد «مجزرة المستشفى المعمداني» في غزة لأصبحت السلطة ومصر والأردن بصدد حالة معقدة ومركبة قوامها على الأقل صدور إعلان في عمان على المستوى الرباعي بـ»وقف إطلاق النار».
وبما أن الإدارة الأمريكية أبلغت مبكراً بأن مثل هذا الإعلان «غير ممكن» كان الخيار يشير إلى أن انعقاد اللقاء الرباعي لو انعقد فعلاً دون الإعلان المشار إليه لتم تفسيره وسط شعوب الأطراف الثلاثة تعبيراً رمزياً عن «مشاركة» حكومات مصر والأردن والسلطة بتصور أمريكي يسعى لإضافة «شرعية» على العملية العسكرية الإسرائيلية برمتها.
في حسابات الكلف في مطابخ القرار الثلاثة تبين أن «التشاور مع الأمريكيين» في اللحظة الأخيرة لإرجاء أو إلغاء اللقاء الرباعي ما دام ليس مفيداً هو الوسيلة الفضلى للإفلات من الكمين الأمريكي، وبالتالي «إغضاب واشنطن» الآن «أقل كلفة» من «المجازفة» باحتقان الشارع الشعبي في مصر والمملكة والسلطة. لكن يبدو أن واشنطن «لم تغضب» لأنها كانت، وحسب وزير الخارجية الأردني أيمن صفدي «طرفاً في مشاورات الإلغاء» ولأن البيت الأبيض صرح لاحقاً بأن الرئيس بايدن سيجري اتصالات تشاورية لاحقاً مع الرئيسين عبد الفتاح السيسي ومحمود عباس.
يعني ذلك سياسياً في حسابات المجازفات أن الحلفاء تشاوروا معاً وقرروا بأن انعقاد اللقاء الرباعي لم يعد مفيداً، وإن كان الأردن حصرياً تقدم بجرأة في الخطوة لإظهار تباين لايمكن إنكاره بين تصوراته للميدان والتداعيات والنتائج وبين تصورات واندفاع الأمريكيين الذين أبلغوا خلف الستارة بأن عملية إسرائيل العسكرية الحالية ينبغي أن تنتهي بـ»إخراج حماس من المعادلة».
ذلك الهدف قال الأردنيون إنه «من الصعب أن يتحقق» وإذا تحقق ستكون كلفته البشرية محرجة وكبيرة جداً وقد تنتهي بزعزعة الاستقرار العام في المنطقة عموماً.
التباين على الأقل بالنسبة للمطبخ الأردن تحول إلى ضرورة ملحة في ظل التعنت الإسرائيلي والغطاء الأمريكي وواشنطن تجاهلت «كل الرسائل» الأردنية التي كانت تشير إلى أن مستوى المجازفات كبير في حال استمرار عمليات القصف العنيفة لغزة محلياً وإقليمياً خصوصاً على صعيد «تمكين» الإيرانيين وحلفائهم أكثر من التسلل والتحكم والتأثير وأيضاً على صعيد الوضع الداخلي في كل من الأردن ومصر، والمجازفة أيضاً بانتفاضة ثالثة في الضفة الغربية تستهدف منظومة السلطة وتقوضها.
لذلك حسم الأمر وقرر مركز القرار الأردني «التأشير على اختلاف القناعات» مع الأمريكيين لا بل إمكانية «مخالفة اتجاههم» دون خشونة أو عناصر تحدٍ ثم الإستعانة كما فعل الرئيس السيسي مع المستشار الألماني بالأصدقاء الأوروبيين قدر الإمكان خلافاً لأن المطبخ الأردني اعتبر – وهنا برزت المسألة الثانية- «عدم عقد اللقاء الرباعي» رسالة تضبط الأمور وتزيد منسوب التحكم والسيطرة على الرأي العام الداخلي، حيث الاحتقان الشعبي الأردني في منطقة السخونة الحادة والاشتعال المحتمل.
وحيث قناعات أكثر رسوخاً على المستوى السيادي بأن هذه المواجهة العسكرية ليست بصدد مشهدها الختامي قريباً وأنها قد تطول، وأن إقدام العديد من الأطراف في الإقليم ستنزلق والتداعيات ستكون «جماعية».
الأردن مقتنع عملياً بأن اليمين الإسرائيلي «يستغل ويستثمر» في تفويض الرئيس بايدن، والمؤشرات المتداولة وسط النخب الأردنية الخبيرة تقول بأن يمين إسرائيل سيهرب إلى الأمام مستثمراً في عملية غلاف غزة في اتجاه مشروعه في «خلق وقائع على الأرض» ثم حسم الصراع مع مستجد بغاية الخطورة فكرته «عدم وجود من أو ما يعيقه في المجتمع الدولي اليوم».
لذلك طبعاً تتراكم المحاذير وقرعت مجزرة المستشفى المعمداني كل أجراس الأنذار في الملعب الأردني لكن دون إسقاط الاعتبار الثاني المحلي من حسابات وتقديرات المخاطر عند مؤسسات القرار الأردني.
عملياً، هنا يلاحظ سياسيون أن تمكن السلطات الأردنية في ظل الهواجس الشعبية ومؤشرات الخوف من السيطرة على عزل منطقة الأغوار عن التظاهر والاحتجاج لأسباب أمنية محلية تطلب أيضاً إلغاء الاجتماع الرباعي وعلى أساس وجود مصلحة في ظهور «تقارب أكثر» بين الموقفين الشعبي والرسمي هذه المرة انطلاقاً من أن اليمين الإسرائيلي هو الذي «يعبث» بالمنطقة وبانتظار «استدراك ما» للإدارة الأمريكية. لذلك ظهرت صيغة أردنية بعنوان «قررنا عدم عقد اللقاء» وأخرى من طاقم الأبيض تتحدث بلهجة «تشاورنا فتقرر».
ولذلك أيضاً مضى القرار الأردني في «الاستجابة» لاتجاهات الشارع المعني اليوم كما الدولة الأردنية تماماً بعزل المملكة عن سياق إضفاء شرعية من أي صنف ولو من باب «الصمت» على المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يخطط لما بعد إخراج حركة حماس من المعادلة ما دام «معسكر السلام» العربي خارج نطاق التأثير العملي والعملياتي في الإسرائيليين والأمريكيين مرحلياً.
القرار الأردني المصري الفلسطيني واضح في التفاصيل: لا نستطيع إعاقة الاتجاه.. حسناً، لنسا طرفاً بالترتيب وفرصتنا كبيرة في مهاجمة سيناريو «التهجير القسري» بكل الأوراق المتاحة… تلك عملياً الخلاصة.
«القدس العربي»