العدوان على غزة ليس عملية عسكرية محدودة تنتهي في أيام او اسابيع قليلة، وليست معلومة النهاية ولا حدود آثارها الجغرافية والسياسية، لكنها ازمة كبيرة تتجاوز فكرة الرد الاسرائيلي على عملية للمقاومة إلى حدث هدفه الأساسي تصفية القضية الفلسطينية واحداث تغيير في بنية قوى فلسطينية وجغرافية غزة وبنيتها السكانية وقد تمتد إلى الضفة وربما جغرافيا أخرى في الإقليم.
وخطورة هذه الازمة ان مراحلها القادمة ليست معلومة للدول قبل الافراد وانها تتم عبر تحالف دولي قوي مساند لإسرائيل بشكل غير مسبوق وبالتالي فإن معطيات الازمة من حيث امتدادها الزمني او الجغرافي او حتى شكل الحل السياسي في نهايتها ليست معلومة بشكل واضح.
نحن في الأردن نتأثر بشكل كبير وسريع بكل حدث في فلسطين فكيف عندما تكون الازمة اقليمية وذات مضمون سياسي يمس مستقبل القضية الفلسطينية التي يرتبط أمننا الوطني وتركيبتنا الداخلية بها ولهذا فإن تحديد مصالحنا واولوياتنا ضرورة في ظل ازمة كبرى بتفاصيل مجهولة ونهاية غير محددة.
تحديد الاولويات مهم ووضع قائمة لمصالحنا التي يجب ان نحافظ عليها مهم جدا فالأزمة عناصرها كثيرة وعدد الدول المؤثرة والمتأثرة بها كثيرة أيضا ولعل اهم مصالحنا هي:-
1 - اهم مصالحنا بعد وقف العدوان انسانيا وعسكريا ألا ندفع ثمنا لما يجري من استقرار الدولة وجبهتنا الداخلية أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وخاصة ان هناك دولا وأطرافا تحاول استغلال الازمة اما لتصدير الازمة إلينا او لتجعلنا من الأطراف التي تدفع ثمنا سياسيا او محاولة تحويل الأردن إلى ساحة لتنفيذ بعض مخططات فشلت فيها سابقا عبر عنوان مساندة فلسطين.
وعلى صعيد تعاملنا الداخلي فإن مصلحتنا ان نبقي حالة التضامن مع الفلسطينيين حاضرة لأنها تعبر عن موقف الأردن بقيادته وشعبه دون السماح لأي فعل قد يحول هذا التضامن الى عبء على الدولة وامنها.
2 - لدينا في الأردن موقف واضح وثابت وصادق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا الموقف ربما لا يعجب حتى بعض الأشقاء، لكنه موقف يحفظ مصالحنا العليا وايضا ينسجم مع تاريخ مشرف للأردن والأردنيين مع فلسطين، وبالتالي فإن الدولة او الجهات المعنية داخلها مطالبة بتحويل الموقف إلى حالة جامعة للأردنيين وخاصة ما يتعلق بمخطط التهجير الذي تتبناه حكومة نتنياهو وتعمل لإنجازه ولو جزئيا في غزة وعلى حساب مصر.
3 - ما يجب ان يعلمه الأردنييون ان قائمة الحدود الساخنة اليوم توسعت، فما تزال حدودنا الشمالية مع سورية خطيرة بسبب التواجد الإيراني وحرب المخدرات، وحدودنا الغربية مع فلسطين هناك خطر الانفلات والفوضى في الضفة وتفكك السلطة او قيام إسرائيل بعمل عسكري فيها يحول تلك الحدود إلى بوابة لفكرة التهجير، وهنالك الحدود الشرقية مع العراق حيث محاولة ايران تحريك ميليشيات تتبع لها قرب الحدود بحجة النفير ضد إسرائيل، لكن عبر الأردن وإشاعة الفوضى فيه، متجاهلين الساحات التي يملكونها ولها حدود مع فلسطين في سورية ولبنان، لكن الهدف ليس إسرائيل بل استغلال الظرف لإحداث اختراقات أمنية في الأردن.
الدولة تدرك هذا والجيش وأجهزة الامن تعلم كل التفاصيل لكن من المهم ان يعلمها الناس ليدركوا ان علينا جميعا واجب مساندة الدولة بالحفاظ على الاستقرار والوعي لنتمكن من التعامل مع هذا التحدي الكبير.
4 - أما التحدي الكبير سياسيا فهو ما ستستقر عليه الامور بعد انتهاء العمليات العسكرية سواء كانت على مستوى غزة او غزة والضفة او اي امتداد اقليمي لهذه الأحداث، فأي سيناريو سيكون خاصة إذا نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها السياسية في غزة وصناعة واقع سياسي وسكاني جديد، وعندها سيكون هنالك مشروع لحل القضية الفلسطينية لن يكون في أحسن احواله افضل من صفقة القرن وسيكون له داعمون في الإقليم عربيا وربما بعض الاصوات الرسمية الفلسطينية، وفي حال هذا الواقع ستكون مصالحنا الكبرى في الملف الفلسطيني في مسار ليس سهلا.
مؤكد ان ازمة بحجم الحجم تترك آثارا غير سياسية أيضا وخاصة في البعد الاقتصادي لكنها مرحلة صعبة وتحتاج إلى حالة أردنية قوية.
5 - مؤكد ان ازمة بهذه التعقيد يمكن ان تشهد تحولات في كل الاتجاهات ولمصلحة اطرافها بين مرحلة واخرى، فأي توقع اليوم ليس نهائيا بل هو قراءة مرحلية وفق معطيات اليوم.