بقلم: الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام - يــا شقيقـةَ بَــدر واليـرمــوك و القــادِسيّــة،
بمـاذا أبــدأ وفِعلُـك يُـلـجِــم الأفــواه، بماذا أبــدأ و صُــور رجالــك قـد تزاحمــت لِـتمـلأ العـقــل و القلــب، لقــد ضاعــت المُفــردات و تاهَــت التعابيــر و صِـرنا عاجِــزين عَــن وصـفِ ما نَـرى و ما نسمَــع، لَـرُبّـمـا لأننـا نسينـا صُـورَ المجــدِ و البطــولات التي صنعـهــا الأجــداد، ونسينــا صُـور أصحَـابهــا و ذكــراهُــم، أم لأننــا انقطعـنـا عــن الماضـي المجـيــد حتـى صِـرنا نعتقــدُ أنّنــا مِـن أُمّــة غيــر العــرب، و مِـن مَــاضٍ لا يَـمتــدُّ إلـى آلاف السنيـن كـان قــد صنـع الشجـاعــة وأعطـاهـا معنـاهــا، وقهــر المَــوت بِحبّــهم لــه فـي سبيـل الكــرامةِ والشّـــرف.
غـــــزة يــا غــــــزة
يـا ملحمــةً ستُخـلّـــد خلـــود التاريــخ السرمـــدي، فيـــكِ رجــالٌ والله إنّـهُــم يُضـاهُـــون خــالِـد ابـن الوليــد، و سعــد ابـن وقــاص، والقعقــاع، و محمـــد الفاتـــح. هـــم رجــالٌ وأنتــم رجـــالٌ صنعتُـم التاريـــخ، وكانــت معارككــم معــاركَ فاصلــة، كــان و سيكـون قبلهــا ليــس كمـا بعدهــا، أنتــم رسمتــم مُنعطفـاً مُنيــراً للأمــة و المنطقــة، مُنعطفــاً استراتيجيــاً ستظهــر آثــاره علــى الأرض و الشعــوب.
غـــــزة يــا غــــــزة
بنــو هاشــم قاطعتهــم قريــش و العــرب فسكنـــوا فـي شِعــاب مكـــة لا يتعامــل معهــم أحــد حتــى أكلـــوا أوراقَ الشجـــر، ولكنّهـــم حَـمَـلــوا رسالـــةً كَـونيّـــة أنــارت العالــم و كانــت مَنَــارةَ هُــــدىً للإنسانيـــة.
وأنتــم قاطَعَكـــم العالـــم، البعيـــد و القريـــب حتى صِرتــم في سجـــنٍ مفتــوح، لا تعيشُــون كـمـا يعيــش النــاس، ولا تفرحـــون كمـا يفرحُــون، ولكنكــم بإيمانكــم و صمودكـم وثباتكـم علـى مبادئكــم صنعتُــم مجــداً لكــم وللأمّــة ولكــل الشعــوب المقهــورة فـي العالــم. صنعتُـم مجــداً رويتمــوه بِــدَمِ الأطفــال، والنســاء، والشيــوخ، رويتمــوه بِـدَم الشبــاب الأبطــال الــذين ينطلقــون كالأســود لا يهابــون المـوت لأنّ موعــدهُـم الجـنّــة التـي وعـدهـم اللـــه، واللّــه لا يُخلـــف الميعـــاد.
غـــــزة يــا غــــــزة
باللّــهِ عليــكِ بعــد أن تمُـــر هــذه السحابــة المُظلمــة، و تطلــع جبهــات الأبطــال كطلــوع شمـــس نيســـان مُعطّـــرة برائحــةِ ورود غـــــزة، أن لا تبخلـــي علــى الأمــة أن تُعلّـميهــا فـي مدرستــك، فشبـــاب الأمّــة مُتعطّشــون لدروســك وكُلُّـهــم رغبــة فـي دخــول أسفــار التاريــخ كمـا دخلتمــوه فــي غـــزة و دَخَـلَــه الأجـــداد الأوائـــل مِــن الصِّـيــدِ المياميـــن.
غَـــــزّةُ يــا غــــــزة
منـــذ أن تشرذمـــت الأمــة و تسلّــم زمــام أغلبهــا أصحــاب الانقلابـات ومــن لا يعرفــون السياســة، ونســـوا قضايـــا الأمــة وتطلعاتهــا، كــان مــا كــان مِمّـــا نــرى، والله المستعــــان.
غـَــــزّةُ يــا غــــــزة ، و يــا أهـــل غــــــزة
يكفيكـــم أنّ الله أسبـــغ عليكـــم مجــد الدنيــا و نعيـم الآخـــرة إن شـــاء الله، ويكفيكـــم أنّ رســول الله (محمــد) صلى الله عليــه وسلــم ذكركــم في أكثــر من حديــث وكأنّـــه صلّـى الله عليـه وسلّـم يعيـــشُ هــذه الأيّـــام، أذكـُــر منهـــا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عسقلان أحد العروسين يُبعـثُ منهـا يــوم القيامــة سبعــون ألـفـاً لا حســابً عليهــم و يُبعــثُ منهـا خمسـون ألفــاً شُهـداءً وُفــوداً إلى الله عــزّو جـــل و بهــا صفــوفُ الشّهــداء رُءُوسُهُــمْ مُقَطَّعَــةٌ فِــي أَيْدِيهِــمْ تَثِــــجُّ أَوْدَاجُهُـــمْ دَمًـا يَقُــولُـــونَ رَبَّنَـــا آتِنَـــا مَــا وَعَدْتَنَـــا عَلَى رُسُلِـــكَ إِنَّــــكَ لَا تُخْـــلِفُ الْمِيعَـادَ فَيَقُـــولُ صَــدَقَ عَبِيــدِي اغْسِــلُوهُمْ بِنَهَـــرِ الْبَيْضَــةِ فَيَخْرُجُــونَ مِنْهَــا نُقِيًّــا بِيضًـا فَيَسْرَحُــونَ فِــي الْجَنَّــةِ حَيْــثُ شَــاءُ.
و قيـــل بلغنــا أنّ النبـي صلى الله عليــه وسلّــم قـــال : يَـرحَـــمُ الله أهـــل المقبـــرة، قالــت عائشـــة: أهــــل البقـيـــع، قـــال: يرحـــم الله أهـــل المقبـــرة، قالـت عائشـــة: أهــل البقيــع، حتى قالها ثلاثـاً، قــال: مقبـــرة عسقــلان.
صــدق رســول الله صلى الله عليه وسلّـــم.
وغـــزة هـي جــزءٌ مِــن عسقــلان حتــى قُــدوم الفتــوحات الإسلاميّـــة.
بالله عليكُــم هَــل هُـنــاك مجــدٌ أعظـم مِـن هـــذا المَجــد، أن يَـذكُـركُــم رَسـُـول الله صلّـــى الله عليــه وسلّــم قـبــل أربعـة عشــر قرنـــاً، وهــل هُـنــاك نِعـمـةٌ تَـعـــدِلُ أن تدخُـلُــوا الجنّــة مِـن غَـيــرِ حِـسـاب لا يُـجاريكـم ولا يُـشابِـهكُــم أحَــد إلّا الأنبيـــاء والرُّسُــل و الشُّـهـــداء أمثـــالكـــم.
يــا أهلنــــا فــــي غــــــــزة
طِـبتُـــم أحيـــاءَ يُـقتـــدى بِكُــم، وطِـبتُــم شُـهــداء بِـجِــوار ربِّـكُــم الــذي لا يُحــاطُ بِـكَــرمِـه و نَـعيمِــه،
و ندعــوالله أن يرضَـى عنّــا فنعــيش مـع أهــل الرّبـــاط ونمــوت ميتـــةَ الشُّـهـــداء.
الكاتــب: عبـدالكريـم فضلــو عقـاب العـزام