زهير العزه - منذ أن شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة من بوابة محاولة رد كرامة جيشها الذي مرغته المقاومة الفلسطينية بالوحل والخزي والعار في السابع من تشرين، والذي سيستمرطويلا وسيلاحق الكيان الى نهاية الدهر، إندلعت أكثرمن مواجهة او معركة دبلوماسية او إعلامية رسمية بين الاردن واسرائيل تعددت أوجهها وتصاعدت وفق المتغيرات التي ينتهجها جيش الاحتلال في تسعيرحربه كقوة نازية محتلة ضد المدنيين من أطفال ونساء وكبارسن ، بما أدى الى جرائم حرب وإبادة ضد الانسانية ترتكب يوميا بل في كل ثانية .
فجر الاثنين أعلن الملك عبد الله عن قيام سلاح الجو الاردني بإنزال كميات من الادوية والمعدات واللوازم الطبية الى المستشفى الميداني الاردني 76 ، وهي بالنسبة للعديد من المراقبين عملية تطلبت ترتيبات لوجستية معقدة، كما أعتبرت من قبلهم عملية جريئة، خاصة انها تمت في منطقة عسكرية خطرة بسبب ما تلقيه قوات الاحتلال من قذائف من السماء والارض على غزة ومحيط المنطقة التي يتواجد فيها المستشفى ، ووسط ظروف خطيرة إحتمال الخطأ فيها قد يؤدي الى إصابة الضباط والجنود والطائرات التي نفذت عملية الانزال، كما انها اعتبرت عملية إنسانية فذة في ظل تهديد الاحتلال للمستشفيات، ومنع وصول كل المساعدات والأدوية اليها، للانتقام من المدنيين ،وقد احتل هذا الخبر العناوين الرئيسية لنشرات الاخبار على فضائيات العالم وفي وسائل الاعلام الاخرى ، الامرالذي دفع إعلام العدو الى القول أن ما تم هو بالتنسيق مع سلاح الحرب الجوي للكيان.
وبغض النظر، إن كان ما تم من عملية إنزال بالتنسيق مع الكيان أو مع الولايات المتحدة الامريكية، فأن المنطق العسكري يقول أنه في ظل الحرب الدائرة لا بد من إبلاغ العدو أن طائرة أو طائرات ستدخل المجال الجوي للحرب ،ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبارهذا من ناحية، أما من ناحية اخرى فأن إتخاذ الملك عبد الله الثاني القرارالجريء بإرسال المساعدات الطبية للأهل في غزة وللمستشفى الميداني الذي يتحمل الأن أعباء إضافية يعتبر تحديا مذهلا للكيان الذي رفض ويرفض رئيس حكومته إدخال المساعدات الا بشروط ووفق ألآلية التي يحددها هو ومن خلال عمليات تفتيش طويلة ومقصودة تعرقل وصول المساعدات.
والملك والذي لم يخف غضبه منذ زمن طويل من تصرفات نتنياهو وعبثيته وعنجهيته وعنصريته، كان يعتقد على ما يبدو أن الارقام المرعبة الناتجة عن العدوان الاسرائيلي على غزة قد تؤدي الى دبلوماسية الزامية تدفع بالولايات المتحدة للضغط على نتنياهو لوقف الحرب ،او على الاقل الضغط من أجل هدنة إنسانية طويلة الامد او قصيرة الامد، ومن ثم الذهاب الى إعادة إحياء محادثات سلام بين الفلسطينيين وبين الكيان، تفضي الى إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أرض ما قبل 5 حزيران عام 67، وهوما أكد عليه من خلال حديثه يوم أمس بطريقة مباشرة في العاصمة البلجيكية بروكسل عندما قال "أن الجميع يدفع اليوم ثمن غياب حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مؤكدا أنه لا بد من رؤية شمولية للأمن الإقليمي مبنية على أساس حل القضية الفلسطينية"، الا أنه كما يبدو لم ينجح في اقناع الولايات المتحدة الامريكية ومعهما حكومات الدول الغربية بخطورة عدم التوجه نحو ايقاف الحرب على غزة ووقف هجمات المستوطنين على أبناء الضفةالغربية وكذلك عدم الذهاب الى طاولة مفاوضات تؤدي الى حل يحقق العدالة للجانب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية على الارض التي احتلت عام 67 وتحقق الامن الاقليمي ، وبالتالي هم لايريدون وقف هذه الحرب الاجرامية بل هم منحازين الى الكيان بشكل فاضح .
والملك أيضا الذي كان قد حذرمن تفلت الوضع وبلوغِه مستويات لا يمكن ضبطها ، حيث لم تؤخذ تحذيراته من قبل الولايات المتحدة الامريكية ومن الغرب بعين الحريص على أمن المنطقة والعالم ، الامرالذي أدى ويؤدي كما نشاهد الان من اجواء حرب إقليمية هي دائرة بالفعل ،بالرغم من محاولات الولايات المتحدة إظهارأن تهديداتها لبعض الاطراف العربية وايران قد منعت من توسع نطاق الحرب ،فالواضح كما نشهد ويشهد العالم أن هناك اكثرمن جبهة مفتوحة من غزة الى الضفة الغربية الى جنوب لبنان واليمن والعراق وسوريا ،وهي تتوسع بشكل سريع وتتطورمن يوم الى يوم ،وتمتد على مساحة تزيد عن مليوني كلم مربع من فلسطين الى الناقورة في لبنان ،الى باب المندب وبثقل سكاني يزيد عن 170 مليون انسان ، وفي منطقة حيوية ستؤثرعلى العالم إقتصايا وسياسيا وعسكريا ،وستتغير فيها معادلات التحالفات المتعلقة بالأمن الاقليمي والدولي، ولن تكون الولايات المتحدة وحلفائها في موقع الرابح بأي حال من الاحوال ، بل أن كل ذلك سيصب في مصلحة الصين وروسيا.
والواضح أيضا أن هناك معركة دائرة الان بين الاردن والكيان الاسرائيلي ،وهي وأن كانت الان دبلوماسية ،لكنها قد تتعرض الى أكثرمن ذلك ،وقد تصل الى ضرب كل ما تم الاتفاق عليه منذ توقيع اتفاقية وادي عربة ولغاية ما قبل العدوان على الغزة ، وهذا يعبرعن الغضب الاردني المتصاعد من كل ما يقوم به نتنياهو وحكومته المتطرفة الارهابية ، فتصريحات الملك الشديدة والغاضبة تجاه الكيان الاسرائيلي وتجاه الغرب ، وكذلك تصريحات الملكة رانيا العبد الله الى قناة ال "سي إن إن" وما حملته من هجوم على الكيان وسياسة الغرب ، والغاء الاجتماع مع جو بايدن بعد اعتداء قوات الاحتلال الاجرامية على المستشفى المعمداني في غزة ،وأيضا ما تبع بعد ذلك من تصريحات غاضبة لوزير الخارجية أيمن الصفدي كمعبرعن الرؤيا الملكية عقب إجتماع بعض وزراء الخارجية العرب وممثل عن سلطة رام الله مع وزير الخارجية الامريكي في عمان ، وخاصة اثناء المؤتمر الصحفي مع انتوني بلينكن والمتعلقة بالكيان الاسرائيلي والسياسات التي تنتهجها أمريكا والغرب ، كما أن الكلام الصريح لرئيس الوزراء الدكتور بشرالخصاونة مع أعضاء المكتب الدائم في مجلس النواب والذي كان حادا وما قاله سابقا من تصريحات اثناء لقائه برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي والحدة التي ظهرت بها ، وإشارته الى أن كل الخيارات مطروحة في حال استمرار العدوان على غزة ،وتحذيره من تجاوز العدو للخط الاحمرالمتعلق بتهجير الفلسطينيين من غزة أوالضفة الغربية، وهو ما يؤكد على الغضب لدى القيادة الاردنية التي تعبر عنها الحكومة والمؤسسات الرسمية وتتناغم مع حال الشعب الاردني ، وهذا قد يوصلها الى الغاء معاهدة السلام مع العدو الاسرائيلي كما أشار لي بعض المسؤولين رفيعي المستوى ، كما ظهرت حالة من الضيق لدى المستوى الرسمي البرلماني الاردني من موقف أمريكا والغرب وبعض العرب من ما يجري من عدوان على غزة، وذلك خلال المداخلة الاعلامية لرئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز الذي قال للدول الغربية وللقيادات العربية " كل المطالبات العربية، الأمريكان لم يأخذوها بشكل جدي، فإذا نظرنا إلى العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية مع الدول العربية تبلغ مئات المليارات، "الدول الأوروبية تعتمد على الطاقة وخاصة بعد انقطاع الغاز الروسي اثر الأزمة الأوكرانية، فأصبحت تعتمد على النفط والغاز العربي، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، كون ضعف اقتصاد أوروبا يؤثر بالتالي على واشنطن.
وزاد، "لا أقول على العرب قطع إمدادات الغاز لكن القيام ببعض الأمور التي تغير الموقف الأمريكي الصلب اتجاه إسرائيل. "..
عملية انزال المساعدات الطبية والانسانية التي قام بها الجيش الاردني لا تعيبها انها تمت بالتنسيق او لم تتم ، المهم انه تم ايصال مساعدات يحتاجها اهل القطاع المحاصرين ،والذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية وجرائم حرب لم تعرفها البشرية منذ ان كانت ، وبالتالي مطلوب الان وفورا من دول عربية اخرى أن تتخذ مثل هذه الخطوة وترسل للمستشفيات الفلسطينية في غزة المساعدات الطبية والانسانية والغذائية والوقود ،سواء بالتنسيق مع قوة الاحتلال او بدونها ،ثم الذهاب الى خطوات تصعيدية اخرى تجعل الادارة الامريكية والغرب المجرمان يخضعان للقوانين الانسانية ويعملان على وقف الحرب فورا ، والاعتراف بأن ما يقوم به الفلسطيني هو مقاومة للاحتلال الاسرائيلي الذي يجثم على صدره منذ 75 عاما ، والعمل على إنصافه من خلال كنس الاحتلال على الاقل من الاراضي التي أحتلت عام 1967، وبغير ذلك لن تشهد المنطقة الراحة والامان وستخسر الولايات المتحدة والغرب المزيد من الاصدقاء بل ستتزايد اعداد العرب والمسلمين المعادين للولايات المتحدة والغرب ، وما نشهده الان من عداء للغرب وتصاعد للمواجهات العسكرية ضده هو ما كان حذرمنه الملك عبد الله الثاني ... فهل بقي في هذا العالم من يعي ان الانحياز للكيان المحتل لفلسطين سيؤدي الى حرب اقليمية او دولية اوسع...؟ وهل يفهم العالم ماذا تعني رسالة الغضب الملكية ؟